برز تقرير صادر عن معهد “روك” للدراسات الأمنية المكانة المتنامية للأجهزة الاستخباراتية المغربية في المشهد الدولي، مبيّناً أن التجربة المغربية أضحت نموذجاً في الموازنة بين تحديث البنية الأمنية وتعزيز الترسانة القانونية من جهة، واحترام الحقوق والحريات من جهة أخرى، في سياق إقليمي ودولي يزداد تعقيداً بفعل التهديدات الهجينة التي تتجاوز الحدود التقليدية للأمن.
وأوضح التقرير، أن وتيرة التطوير القانوني للمخابرات المغربية منذ سنة 2003 كانت سريعة وفعالة، حيث جرى تكييف الممارسات العملياتية مع متطلبات سيادة القانون مع الحفاظ على القدرة العملياتية لمواجهة التهديدات المتغيرة، مستنداً في ذلك إلى المقتضيات الدستورية وقانون المسطرة الجنائية، خاصة المادة 108 التي تسمح باعتراض الاتصالات تحت إشراف قضائي في التحقيقات المتعلقة بالجرائم الخطيرة، وفي مقدمتها الإرهاب.
كما أشار إلى القانون 03-03 المتعلق بمكافحة الإرهاب، الذي اعتُبر نقطة مفصلية، إذ جرم التحضير للأعمال الإرهابية والانتماء إلى التنظيمات وتمويلها وتمجيدها.
كما تناول التقرير حصيلة الترسانة التشريعية المغربية التي شملت القانون 53-05 بشأن التبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، والقانون 09-08 المتعلق بحماية البيانات الشخصية، والقانون 43-05 الخاص بمكافحة غسل الأموال (2007 والمعدل في 2021 بالقانون 12-18)، إضافة إلى القانون 05-20 الخاص بأمن الأنظمة المعلوماتية (2020).
واعتبر المعهد أن انخراط المغرب في الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية “بودابست” لمكافحة الجرائم الإلكترونية واتفاقية 2019 الخاصة بحماية البيانات وفق المعايير الأوروبية، يعكس وعياً استراتيجياً بتعقيدات البيئة الأمنية الجديدة.
وأكدت الدراسة أن التحديات التي تواجهها المملكة لم تعد مقتصرة على حماية التراب الوطني، بل تشمل كذلك استباق التهديدات في فضاء رقمي وتكنولوجي غير مستقر.
ومع ذلك، أثبت المغرب على مدى عقدين من الزمن قدرته على الجمع بين الأمن وصون الحريات، والبقاء في طليعة الدول الساعية إلى الوقاية، وإدارة المعلومات، وحماية المصالح الوطنية، مما عزز الثقة داخلياً لدى المواطنين وخارجياً لدى الشركاء.
وأشاد معهد “روك” بمسار التحديث المؤسسي والتكنولوجي الذي يشهده الجهاز الاستخباراتي المغربي، مشيراً إلى التجربة الفريدة في القيادة الموحدة للأجهزة الأمنية.
وخلص في تحليله إلى أن المملكة تتوفر على منظومة أمنية متكاملة وغنية، متجذرة في تاريخ الدولة الحديثة، حيث يؤدي كل جهاز دوراً محدداً يكمل الآخر، سواء تعلق الأمر بمكافحة التجسس أو الأمن السيبراني أو الاستخبارات الخارجية أو المالية أو المراقبة الإقليمية.
وأضاف التقرير أن التنسيق الاستراتيجي للأمن الوطني يظل مرتبطاً بدور جلالة الملك، القائد الأعلى ورئيس أركان القوات المسلحة الملكية، وبتدخل الحكومة عبر وزارتي الداخلية والخارجية وإدارة الدفاع الوطني.
كما ركز بشكل خاص على تجربة عبد اللطيف حموشي، الذي يقود منذ 2015 كلاً من المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، حيث اعتُبرت هذه القيادة الموحدة نموذجاً استثنائياً عزز من التكامل العملياتي ورفع مستوى التنسيق في مختلف الإجراءات الأمنية.
وأشار التقرير إلى أن هذه البنية ساعدت على تحديث الأنظمة باستمرار وتعزيز التعاون على المستويين الوطني والدولي، وهو ما تؤكده شهادات التقدير والأوسمة الفخرية التي حصل عليها حموشي من عدة دول، بينها إسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة، اعترافاً بالمهنية العالية والاحترافية التي باتت تميز الأجهزة الأمنية المغربية.
ومن زاوية جيوسياسية، يرى خبراء المعهد أن التجربة المغربية لم تعد مجرد شأن داخلي، بل تحولت إلى ورقة قوة في الدبلوماسية الإقليمية والدولية للمملكة.
فمساهمة المغرب في دعم الاستقرار الإفريقي من خلال التعاون الأمني والاستخباراتي، وتوثيق شراكته مع الاتحاد الأوروبي في قضايا مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية، جعلت منه فاعلاً محورياً في توازنات البحر المتوسط والساحل والصحراء.
وبهذا المعنى، فإن نجاح المغرب في بناء نموذج أمني يحترم القانون والحقوق يعزز مكانته كجسر استراتيجي بين الشمال والجنوب، ويؤكد حضوره كقوة إقليمية صاعدة تتقاطع فيها السياسة بالأمن في خدمة رؤية أوسع للأمن الجماعي.
هذه هي الرؤية والرسالة الملكية لأمير المؤمنين محمد السادس نصره الله وأيده بالسبع المثاني و عافاه و شافاه و كافاه و كافة المسلمين ، لتجعل من المملكة المغربية بوابة لأوروبا شمالا و لإفريقيا جنوب_جنوب
تحياتي لكم و لتفهمكم