تسرّب من محادثة سريعة في غفلة من ميكروفون مفتوح أن دونالد ترامب قال لإيمانويل ماكرون: “أعتقد أن فلاديمير بوتين يريد إبرام صفقة أوكرانيا من أجلي”.
بدا أن سيّد البيت الأبيض يرى أن حافز بوتين هذا كاف لإقناع نظرائه الأوروبيين بأن زعيم الكرملين جادٌّ في سعيه لإنهاء الحرب.
بدا أن زعماء أوروبا، بمن فيهم الأوكراني، فلوديمير زيلنسكي، مستسلمين في مجاراة ترامب ومحضه بجرعات عالية من المديح والتبجيل شاكرين له سعيه الميمون.
قد يكون ترامب على حقّ. وأن بوتين يريد الخروج من هذه الحرب. فموسكو هي التي تواصلت مع واشنطن لترتيب القمّة المفاجئة التي انعقدت من خارج سياق التصعيد مع واشنطن، في ألاسكا في الولايات المتحدة.
حسابات بوتين قامت على أنه رابح من عقد تلك القمّة. قواته متقدمة في الميادين، وتفوقها العسكري راجح. لقاؤه بزعيم المنظومة الغربية على أراضي الولايات المتحدة يخرجه من عزلة ومن الأبواب العريضة.
وإذا كان من جني لثمار فلاحة عسكرية بدأت منذ شباط (فبراير) 2022، فإن ترامب هو الوجهة المناسبة في موسم الحصاد.
سمع ماكرون ملاحظة ترامب وقد يبني والأوروبيون عليها.
فالرئيس الفرنسي يعتبر أن بوتين لا يريد سلما بل استسلاما، ويدعو مستقويا بتحالف أكثر من 30 دولة من “الراغبين” لمنع مكافأة الرئيس الروسي على ما اعتبره “آثاما” ارتكبها بحق أوكرانيا والأوروبيين.
لكن طالما أن رجل روسيا يتقدم خطوة إكراما لعين رجل أميركا، فلماذا لا يتقدم خطوات صوب أوروبا لإبرام صفقة أكثر إنصافا إكراما لنفس العين.
يُشاع في الولايات المتحدة أن الرئيس متقلّب القرار ويميل إلى آخر رأي رأي استمع إليه. رفض بوتين في ألاسكا الطلب الملح للأوروبيين، والأوكرانيين خصوصا، بوقف فوري لإطلاق النار.
أقنع ترامب بالذهاب عوضاً عن ذلك إلى تسوية كبرى تنهي الحرب، علما أن ذاك لا يمنع ذلك. بالمقابل عمل الأوروبيون في قمّتهم مع ترامب، الإثنين، على إقناعه بتحاهل “نهم” ترامب في السيطرة على الأراضي، والذهاب إلى فرض ضمانات أمنية حقيقية وجادة تطمئن أوكرانيا وتغريها لتقديم التنازلات الموجعة.
في ذاكرة الأوكرانيين أن “المؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين”. عند استقلال أوكرانيا عام 1991، كان البلد نوويا يمتلك ترسانة تغنيه عن توجس وقلق.
تدخّل الكبار وأقنعوا الدولة الفتية بتسليم الترسانة النووية السوفياتية لروسيا، مقابل ضمانات قدمتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا نفسها. ووقعوا ذلك على “مذكرة بودابست” عام 1994. جرى أن روسيا استولت على القرم عام 2014 واجتاحت البلاد عام 2022 من دون أن يكون لحبر تلك الضمانات أي رادع.
يحمل زيلنسكي نسخة مختلفة عن نسخة بوتين للسلام. نزع من أجل ذلك بزّته العسكرية ولبس في البيت الأبيض ما لقي استحسان الرئيس الأميركي. بدا الودّ مفرطا بين الرجلين وكأنهما معا يسعيان لتبديد ذاكرة المشادة الشهيرة بينهما في المكتب البيضاوي في شباط (فبراير) الماضي.
الأوروبيون أيضا حملوا نسختهم. يريدون ترامب معهم لا نصيرا لبوتين. لم ينخرطوا في ورشة ألاسكا إلا حين قطع لهم وعدا بأن يكون جزءا من الضمانات الأمنية لأوكرانيا. الضمانات المقترحة تتحدث عن تعهّد شبه أطلسي وإن لم تكن أوكرانيا جزءاً من الناتو.
بعض الضمانات يتحدث عن نشر قوات غربية لن يكون فيها قوات أميركية. كل الضمانات تقوم على ثابت استمرار دعم وتقوية الجيش الأوكراني، الذي بالمناسبة، وبسبب الحرب، بات من أقوى، أن لم يكن أقوى، جيوش أوروبا.
أوكرانيا بعد الحرب في عين بوتين هي تلك التي لا حول لها ولا قوة وذات حكومة تحظى برضى “القيصر”. فكيف له أن يقبل كرمى لعين ترامب ما لم يقبله حين كانت الأطلسية مجرد فكرة تراود أوكرانيا ورئيسها ليس أكثر.
تعليق واحد