آراءسياسة
أخر الأخبار

بروتوكولات نتنياهو.. حكاية زعيم يحتمي بالورق

يختبئ نتنياهو خلف جمل فضفاضة في اجتماعات المجلس، وهذا أسلوب قديم يتبعه كلما شعر بحاجة لتفادي تحمل المسؤولية، فقد استعمله أثناء تحقيقات الشرطة الإسرائيلية معه في ملفات فساد سابقة، من بينها قضية فضيحة الهدايا، وقضية شركة الاتصالات "بيزك" وغيرها من قضايا الفساد المتهم بها..

فايز أبو رزق

من المتعارف عليه بحسب القانون الإسرائيلي، أنه يتم حفظ محاضر اجتماعات الكابينت “المجلس الوزاري الأمني المصغر” ضمن تصنيف سري للغاية، ولا تفتح الملفات إلا بعد مرور زمن طويل، ولكن هناك استثناء.. إذا طلبت لجنة تحقيق تمتلك صلاحيات قضائية رفيعة المستوى الاطلاع على محاضر الاجتماعات للتحقق من وقائع معينة.

وطوال سنوات نشوء الدولة العبرية منذ عام 1948، تم تشكيل لجان تحقيق عديدة في إسرائيل.. أهمها: لجنة كاهان بعد حرب يونيو عام 1967، لجنة أغرنات بعد حرب أكتوبر1973، ولجنة فينوغراد بعد الحرب على لبنان عام 2006.

ويمكن مناقشة نموذج لجنة فينوغراد هنا سريعا لفهم كيفية عمل هذه اللجان وأهمية قرارتها، فقد قررت الحكومة الإسرائيلية بعد حربها على لبنان في صيف عام 2006، تكوين لجنة تحقيق عرفت باسم لجنة فينوغراد، ترأسها القاضي إلياهو فينوغراد. وتمحورت مهمة اللجنة في تقييم أداء القيادة السياسية والعسكرية خلال الحرب، ومن أجل ذلك منحت اللجنة صلاحيات واسعة، كان من بينها الاطلاع على البروتوكولات السرية لاجتماعات “المجلس” وقيادة الجيش التي عقدت أثناء اندلاع الحرب.

وساهمت المحاضر التي اطلعت عليها اللجنة في توجيه انتقادات للمستوى السياسي والعسكري، فقد كشفت كيف اتخذت قرارات جوهرية ومهمة جدا دون رؤية سياسية واضحة أو جاهزية عسكرية كافية، ما أدى في حينه إلى تحميل رئيس الحكومة إيهود أولمرت وقيادات عسكرية المسؤولية عن الفشل في القيادة.

وبالعودة للحديث عن اجتماعات الكابينت، الذي يتكون عادة من 8 إلى 15 عضوا، ولا يخضع للرقابة التشريعية أو حتى للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيسيت، فإنه يؤكد على توثيق كل جملة وكل كلمة بدقة، ليس بهدف الحفظ والأرشفة فقط، بل لتكون دليلا للتحقيق، أمام اللجان المستقبلية لو استدعى الأمر.

وخلال المقتلة الجارية على غزة، عاد هذا التوجس من لجان التحقيق والمحاسبة ليخيم بظلاله السوداء على مداولات المجلس الإسرائيلي.

فقد شهدت الفترة الماضية تسريبات متكررة من اجتماعات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع رؤساء الأجهزة الأمنية، وكان أبرزها التسريب من اجتماعه مع رؤساء الأجهزة الأمنية، ومن بينهم رئيس الأركان إيال زامير، بعد هذا الاجتماع الذي تناوله الإعلام العبري، كتب نجل رئيس الحكومة، يائير نتنياهو، عبر تغريدة على موقع “إكس” بتاريخ 4 أغسطس 2025، ملمحا إلى أن زامير هو من سرب المعلومات حول الخلافات مع نتنياهو لأحد الصحفيين.

وتكشف هذه التسريبات الخلافات الحادة بين نتنياهو ورؤساء الأجهزة الامنية مثلما حصل مع رئيس الشاباك السابق رونين بار الذي اجبره نتنياهو على الاستقالة، ولكنها تظهر أيضا وساوس الخوف الشديد التي تسيطر على نتنياهو من أن تستخدم كلماته لاحقا ضده في أي لجنة تحقيق محتملة بعد الحرب.

لذلك يختبئ نتنياهو خلف جمل فضفاضة في اجتماعات المجلس، وهذا أسلوب قديم يتبعه كلما شعر بحاجة لتفادي تحمل المسؤولية، فقد استعمله أثناء تحقيقات الشرطة الإسرائيلية معه في ملفات فساد سابقة، من بينها قضية فضيحة الهدايا، وقضية شركة الاتصالات “بيزك” وغيرها من قضايا الفساد المتهم بها.

وشخصية نتنياهو، التي تظهر قوية وواثقة إعلاميا، ويتحدث لساعات في المقابلات والمؤتمرات الصحفية بشكل مفصل، ولكنه يتحول خلف الأبواب المغلقة إلى رجل شديد الحذر، ينتقي كلماته بدقة قانونية، ويكتفي بجمل قصيرة عامة، من قبيل:

“سنتابع التطورات وسنتخذ القرارات المناسبة”

“هذا توقيت حساس للدولة وإذا توقفنا الآن سنخسر كل شيء”

“ما هي الاقتراحات لدى الجيش”
“أريد خطة متكاملة في الاجتماع القادم”
“ما بعد الحرب لا يقل أهمية عن الحرب نفسها”

مثل هذه العبارات العائمة التي سربتها الصحافة العبرية تصاغ عمدا بطريقة لا تدين قائلها ولا تحمله مسؤولية مباشرة، مما يسمح له بالمناورة لاحقا، في حال خضع للمساءلة أو طلب للتحقيق.

وعند انتهاء المداولات، يتخذ القرار النهائي عادة عبر التصويت بين الأعضاء، يحاول نتنياهو فرض رأيه من خلال تحالفاته السياسية داخل المجلس بحيث يسجل في البروتوكول أن أغلبية الأعضاء هم من اتخذوا القرار، بينما يكون نتنياهو هو من وجهه فعليا، وقد وصف صحفيون إسرائيليون أعضاء الكابينت بـ”الأختام المطاطية في مسرحية تدار من قبل نتنياهو”.

هذا النمط المتكرر من أسلوب نتنياهو الماكر الذي يعكس التوجس المفرط، لا يمكنه فقط من إدارة المقتلة على الأرض، بل يهيئ أرض المعركة القادمة، المعركة القانونية والسياسية، تلك التي يخشاها أكثر من أي جبهة عسكرية.

وعندما تخفت أصوات الحرب مستقبلا، يبقى ذلك البروتوكول محفوظا ليعلو مجددا على كل شيء، ويصبح في نهاية المطاف الحرب الأشد تأثيرا التي يخشاها الجميع.

* صحافي وكاتب من غزة

https://anbaaexpress.ma/z9qt7

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى