لطيفة بومهدي
في ظل العدوان المستمر على غزة، تنكشف خريطة جديدة للعالم ، لا على أسس جغرافية أو تحالفات سياسية، بل على أساس أخلاقي إنساني:
– دول تمارس الهمجية بكل وحشية.
– دول هجينة ترتدي قناع الحياد.
– ودول اختارت الهزيمة دون قتال.
هذا التصنيف ليس لغويا، بل توصيف واقعي لانقسام العالم في وجه مشهد إنساني كارثي، ثبت تفاصيله كل يوم، صوتا وصورة، من قلب قطاع محاصر يرزح تحت القصف والموت.
فمنذ، اشتعال الحرب في غزة، والعالم وكأنه مرآة مشروخة، تعكس لنا ثلاث صور متنافرة،
دول تمارس الهمجية وأخرى هجينة الهوية وثالثة غارقة في الهزيمة الأخلاقية والإنسانية.
الهمجية في أبشع صورها
“دول الهمجية” هي التي تمارس القتل بدم بارد، وبشكل مباشر دون اعتبار للقانون الدولي وحقوق الإنسان، تمتلك السلاح والنفوذ، وتجيد تسويق خطابها القائم على الخوف والأمن، بينما تمطر المدنيين في غزة بالقنابل ..
هذه الدول لا تخجل من استهداف المستشفيات، و المدارس، و خيام النازحين، وتمارس التصفية الجماعية ، الحصار، التدمير الممنهج.. وتنتج خطابا إعلاميا مشوها لتبرير الهمجية، وتعطيل الضمير وموت العقل السياسي.
عندما تسأل، ترد بعبارات منمّقة: “أخطاء غير مقصودة” “تصفية الإرهاب” “أهداف عسكرية مختلطة”.
لكن الحقيقة تقول إن الإنسان في غزة يقتل لمجرد أنه ولد هناك فوق أرض مغصوبة و يتيمة.
ولا تقف الهمجية عند القصف فقط، بل تمتد إلى سياسة التجويع الممنهجة:
– منع دخول الغداء والدواء.
– خنق المدنيين تحت الحصار.
– قطع الكهرباء والماء.
– دفع الأمهات لطبخ الحشائش لإطعام أطفالهن ، وشرب الماء الملوث..
التجويع لم يعد سلاحا صامتا، بل أصبح أداة معلنة للتركيع، إنه شكل آخر من القتل لا يقل وحشية عن القنابل والصواريخ..
الدول الهجينة: الوجه الناعم للخذلان
“الدول الهجينة” هي الدول التي تلبس أقنعة متعددة، تظهر كديمقراطية لكنها تمارس النفاق السياسي، تتحدث عن حقوق الإنسان لكنها تساوي بين الضحية والجلاد، تندد بالعنف لكنها تسلح المعتدي أو تصمت عن جرائمه .
الدول الهجينة لا تقاتل ولا تناصر، بل تكتفي بلغة رمادية تدين العنف وتدعو للتهدئة، لكنها ترفض المساءلة وتغض الطرف عن خرق القانون الدولي .
هذه الدول تخلط بين المبادئ والمصالح، بين الخطاب المتحضر والسلوك الإنتهازي، لا تنحاز تماما ولا تتحرك لإنقاذ الضحية.. تتقن لعبة التوازن، بعضها يصوت لصالح الاحتلال في المحافل الدولية، بينما يرسل البعض الآخر مساعدات إنسانية رمزية ليظهر”تعاطفه”.
أمام كاميرات الإعلام. فالدول الهجينة ليست بريئة، بل تكون الأخطر لأنها تضلل وتربك الحقيقة، وتخون العدالة باسم الحياد، بينما تمرر السياسات الداعمة للعدوان. إنها شراكة غير معلنة في الجريمة باسم الدبلوماسية.
الهزيمة الأخلاقية و الإنسانية الصامتة
“دول الهزيمة” أما النوع الثالث من الدول، فهو ذاك الذي هزم دون أن يدخل المعركة. دول منهكة، مفككة، أو خائفة، تراقب من بعيد ما يحدث في غزة، بلا موقف ولا صوت، وكأن الدم لا يراق باسم الإسلام والعروبة والإنسانية، بل باسم التضحية السياسية.
هذه الدول استسلمت قبل أن تحاصر، وصمتت قبل أن تسأل، بعضها فقد قراره السيادي، وبعضها اختار أن يراقب المشهد من شرفات العجز، يدين على استحياء، أو يبرر صمته بمصطلحات كالواقعية والمصلحة الوطنية.
دول الهزيمة هي التي خارت قواها قبل أن تبدأ، لم تقصف لكنها هزمت، لم تهدد لكنها إنكمشت وصمتت.
هذه الدول فقدت القدرة على الموقف، واختارت أن تكون متفرجة، وكأن العدوان مسألة بعيدة، لا تخص بني جلدتهم واخوانهم في الدين والعروبة. البعض يختبأخلف السيادة، والبعض الآخر خلف الحسابات السياسية أو الخوف من العقوبات .
لكن الصمت في هذا السياق ليس حيادا.. بل مشاركة سلبية في استمرار القتل.
غزة كشفت كل شيء
الحرب في غزة ليست فقط مأساة إنسانية، بل إختبار صارخ لضمير العالم، فالدول التي تتفاخر بحقوق الإنسان والديمقراطية، وقفت عاجزة أو متواطئة أمام أكبر مجازر القرن الحديث.
لم تعد القضية قضية سياسية حسب زعمهم بل قضية قيم سقطت في امتحان الحقيقة.
في غزة يموت الأبرياء في كل قصف، وتزيد الحقيقة وضوحا كم أن هذا العالم فقد بوصلته الأخلاقية والإنسانية.
في ظل هذا المشهد قد لا يكون الأمل في الحكومات ، بل في الشعوب الحرة، وفي أصوات الضمير الحي التي لا تزال تقاوم كي لا يقتل الغزاوي مرتين مرة بالقصف، ومرة بالنسيان.
اليوم، بات الإنقسام الحقيقي للعالم ليس بين شمال وجنوب، شرق أو غرب، بل بين من يملك ضميرا حيا، ومن اختار أن يتواطأ بالصمت أو بالكذب ،أو الخذلان..
وغزة رغم الخراب مازلت تقاوم، بالصمود، بالحقيقة، وبالدم الذي يسائل العالم كل لحظة..
أين كنتم ؟ وماذا فعلتم ؟؟