آراءسياسة
أخر الأخبار

السويداء.. من أزمة محلية إلى ورقة إقليمية “تحليل”

دخول إسرائيل هذه المرة إلى طاولة التفاوض جاء بعد عمليتها العسكرية الأخيرة في السويداء، والتي أوقفت هجومًا للقوات الحكومية ومنحت الدروز المحليين شكلاً من أشكال السيطرة الفعلية على المحافظة..

تحولت السويداء في الأسابيع الأخيرة إلى العنوان الأبرز في المشهد السوري والإقليمي، بل باتت إحدى البوابات الرئيسية للقاءات السورية – الإسرائيلية، مع دخول إسرائيل بشكل مباشر في الصراع السوري، وإعلانها الوقوف العلني إلى جانب المكوّن الدرزي.

صحيح أن الانتقال إلى اللقاء المباشر بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووفد إسرائيلي في باريس يمكن اعتباره تطورًا نوعيًا ونتاجًا للتطورات الأخيرة، لكنه ليس سابقة فريدة، بل يأتي في سياق لقاءات متكررة جرت سابقًا برعايات متعددة، سواء في جنيف أو باكو.

اللقاء في باريس حمل واجهة معلنة ركزت على خفض التصعيد، وعدم التدخل في الشؤون السورية، والتوصل إلى اتفاقيات تدعم الاستقرار الإقليمي، من بينها وقف إطلاق النار في محافظة السويداء وإعادة تفعيل اتفاقية عام 1974.

إلا أن جوهر هذه اللقاءات يتجاوز هذه العناوين المعلنة، إلى ملفات أكثر حساسية بالنسبة لإسرائيل، أهمها: إعادة الانتشار التدريجي لقواتها على طول حدود الجولان، وتبادل المعلومات حول الشبكات الجهادية النشطة في جنوب سورية، إضافة إلى بحث خيارات أمنية مشتركة لاحتواء الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في منطقة درعا.

كل ذلك يجري برعاية أميركية، عبر توفير الإطار التفاوضي والضمانات المستقبلية، بما في ذلك إمكانية إنشاء آلية مراقبة ثلاثية (الولايات المتحدة – إسرائيل – سورية) تحت رعاية الأمم المتحدة، تُمكّن واشنطن من الحفاظ على موقع متقدم في إدارة التطورات المستقبلية، وتقليص نفوذ أي طرف إقليمي آخر، مثل إيران وروسيا.

ورغم الطابع الدبلوماسي للقاء باريس، إلا أن إسرائيل قد تكون مهتمة أكثر بالشق العملي. فالوفد الذي قاده وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر، المستشار المقرب من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ضم أيضا خبراء من الموساد وأمان (المخابرات العسكرية)، المهتمين بملفات دقيقة تتعلق بالتهريب عبر الحدود والقضية الدرزية.

دخول إسرائيل هذه المرة إلى طاولة التفاوض جاء بعد عمليتها العسكرية الأخيرة في السويداء، والتي أوقفت هجومًا للقوات الحكومية ومنحت الدروز المحليين شكلاً من أشكال السيطرة الفعلية على المحافظة.

ومن هنا يبرز أيضاً الاجتماع بين الشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي لدروز إسرائيل، ومبعوث الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى سورية، توم براك، حيث تركز اللقاء على بحث إقامة ممر إنساني مباشر محتمل في المستقبل بين إسرائيل والسويداء، إلى جانب الترتيبات اللوجستية وقنوات الإمداد والدعم الدولي الممكن.

نجاح مثل هذا الترتيب سيكون بمثابة قطيعة مع الموقف الرسمي لدمشق، الذي يصر على أن تمر جميع المساعدات حصريا عبر مؤسسات الدولة المركزية.

كما قد يفتح الباب أمام مكونات سورية أخرى للبحث عن تحالفات إقليمية أو دولية تضمن لها مكاسب سياسية وحضورا على الخريطة السورية الجديدة.

أما موقف حكومة دمشق فما يزال ملتبسا. فهي ترفض باستمرار الحوار المباشر مع القادة الدروز المحليين، لكنها في المقابل تُبدي استعدادا لمناقشة القضية برمتها مع إسرائيل والولايات المتحدة. وهو ما يمكن قراءته كمسعى لاستعادة شرعيتها الدولية والانخراط مجددا في المشهد الدبلوماسي العالمي.

بالنسبة لدمشق، تبدو القضية مدخلاً لترسيخ الدولة المركزية، ما يفسر أن الأولوية الجيوسياسية للنظام هي تثبيت سلطته الداخلية.

هذا التوجه داخل الإدارة السورية يعكس مقاربتين: الأولى عبر وزارة الخارجية، التي تدفع نحو مسار عملي يظهر الحكومة بمظهر المتجاوب مع المواقف الدولية، عبر فتح نوافذ إنسانية أو تقديم تنازلات تفاوضية.

أما الثانية فتمثلها الأجهزة الأمنية على الأرض، التي تتخذ موقفًا متشددًا، رافضة أي انفتاح قد يفضي إلى استقلالية السويداء والدروز. هذه الازدواجية تفسر الرسائل المتناقضة الصادرة من دمشق خلال الأسابيع الأخيرة.

في المحصلة، تبقى قضية السويداء جزءًا من مشهد معقد من التوازنات الهشة، والمفاوضات الغامضة، والاتفاقات غير المعلنة، حيث تتباعد المواقف الرسمية عن الديناميكيات الحقيقية على الأرض.

https://anbaaexpress.ma/ae4qg

عامر السبايلة

خبير استراتيجي من الأردن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى