آراءسياسة
أخر الأخبار

السلاح مقابل الأرواح.. هل تنجح معادلة الاحتلال في قطاع غزة..؟ “تحليل”

بين مطلب نزع السلاح والتصعيد العسكري – مشهد غزة في مواجهة العدوان

لطيفة بومهدي

يتعرض الشعب الفلسطيني عامة وغزة على الخصوص، منذ السابع من أكتوبر لحملة التطهير العرقي والإبادة الجماعية، فاقت بشاعتها ما جرى طيلة سنوات الاحتلال السابقة، من عمليات تقتيل وتهجير موثوقة بالصوت والصورة، وعلى الهواء مباشرة، بالإضافة إلى حجم الدمار والخراب الذي يتعرض له قطاع غزة.

فمنذ تصاعد التوترات الدموية في القطاع، عاد إلى الواجهة مجددا طرح نزع سلاح المقاومة الفلسطينية، وصعّدت إسرائيل موقفها بإعلان الحكومة موافقتها على خطة تتضمن اللجوء إلى عمليات عسكرية أوسع في قطاع غزة، كوسيلة لتعطيل قدرات حماس الأمنية والعسكرية، واستعادة الرهائن المحتجزين.

هذا التصعيد تزامن مع الضغوط الدولية، لا سيما من الولايات المتحدة الأمريكية، بشأن نزع سلاح المقاومة كشرط أساسي لأي تقدم في المفاوضات المستقبلية، بينما ترى حماس أن سلاح المقاومة سلاح شرعي، مرتبط بوجود الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني.

هذا الطرح يثير تساؤلات عميقة حول مستقبل القضية الفلسطينية، ومعنى المقاومة، وحدود السيادة في ظل واقع الاحتلال.

خلفية تاريخية وسياسية

ظهرت المقاومة الفلسطينية المسلحة كرد فعل طبيعي على استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ عام 1948، وبعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967.

ومع انسداد الأفق السياسي وفشل المفاوضات المتكررة، واستبعاد أي أفق لحل عادل للقضية الفلسطينية، برزت قناعة لدى فصائل المقاومة أن العمل المسلح هو وسيلة للضغط على إسرائيل وتحقيق الحقوق المشروعة.

وفي عام 2005 انسحبت إسرائيل من قطاع غزة، وظن البعض أن القطاع سيغدو مساحة حرة لتجربة بناء الدولة الفلسطينية، لكنها لم ترفع الحصار عنه بل شددته لاحقا، وأبقت السيطرة على المنافذ والمعابر والحدود الجوية والبحرية.

وفي عام 2006 فازت “حركة حماس” في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، ما أدى إلى توتر سياسي كبير مع “حركة فتح”.

وفي عام 2007، وبعد اشتباكات داخلية، سيطرت “حماس” على قطاع غزة، بينما بقيت الضفة الغربية تحت سلطة “فتح”.

بين مطلب نزع السلاح والتصعيد العسكري – مشهد غزة في مواجهة العدوان

في مطلع غشت 2025، تصاعدت وتيرة التوتر على جبهة قطاع غزة بعد قرار أقرته الحكومة الإسرائيلية، خطة عسكرية أوسع للسيطرة على مناطق حضرية واسعة في قطاع غزة، بينما دعت الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى إلى ممارسة ضغوط على “حماس” لتسليم الأسلحة وإطلاق سراح الرهائن.

هذا المزيج من مطالب أمنية وضغوط دولية يتقاطع مع واقع إنساني مروع ومزري، يفتقد إلى أبسط شروط الحياة.

الموقف الإسرائيلي يحاول تبرير تصعيد العمليات العسكرية وعدوانه على القطاع، بأنها ضرورة أمنية لضمان سلامة مواطني الدولة واستعادة الرهائن.

والحقيقة التي تعرفها إسرائيل جيدا، أن غزة لا تملك سلاحا نوعيا يهدد التوازن الإقليمي، وأن هذه الأسلحة (بعض الآلاف من البنادق وما تبقى من صواريخ محلية الصنع..) لن تصنع معادلات جديدة أو تغيّر نتيجة المعركة.

بل المطلوب هو فرض الاستسلام الكامل على عموم الشعب الفلسطيني، ودفعه إلى التسليم بمشيئة المحتل.

هذا الأخير يريد قبل نزع سلاح المقاومة، أن ينزع من الشعب روحه وعقيدته وإيمانه بحقه في الحياة كباقي الشعوب، وأن يدفعه للقبول بحياة العبيد، وأن يكتفي بما يقدم له من مساعدات مغمسة بالذل والعار، وملطخة بدماء نسائه وأطفاله وشيوخه.. الذين سقطوا على مدار عشرات السنين من القتال والفداء والكفاح.

موقف حماس: سلاح المقاومة خط أحمر

أعلنت حماس مرارا وتكرارا، رفضها نزع سلاحها دون ضمانات سياسية ملموسة، لا سيما قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف.

وخلال المفاوضات نفت حماس استعدادها لتسليم أسلحة التنظيم كشرط مسبق، ورأت في مساومة المقاومة على سلاحها، إضعافا للحق في الدفاع الشرعي وتعزيزا لوجود الاحتلال الصهيوني، دون تحقيق حل سياسي عادل يشمل رفع الحصار وإقامة الدولة الفلسطينية.

إسرائيل تصر على أن نزع سلاح حماس شرط أساسي لأي وقف دائم لإطلاق النار، وترى أن أي تهدئة أو إعادة إعمار يجب أن يرتبط بإنهاء القدرات العسكرية للمقاومة.

وفي المقابل، حماس والفصائل الفلسطينية ترفض كليا نزع سلاحها وتعتبره مطلبا غير مشروع للنقاش ما دام الاحتلال قائما، وتراه حقا وطنيا ودفاعيا أقرته المواثيق الدولية.

نزع السلاح يسوّق دوليا على أنه الطريق لوقف الحصار وإعادة الإعمار، لكنه يطرح أيضا كوسيلة لتجريد الفلسطينيين من أدوات المقاومة، بينما يستمر الاحتلال في التوسع الاستيطاني.

نزع سلاح المقاومة أم تصفية القضية الفلسطينية.. ما خفي كان أعظم

لم يعد مطلب نزع سلاح المقاومة مجرد عنوان عابر، أو مطلب عادي في المفاوضات الإسرائيلية أو الأمريكية، بل أصبح شرطا أساسيا لأي هدنة طويلة الأمد أو تسوية سياسية.

فما الذي يخفيه هذا المطلب؟ وما وراء هذا الخبر؟

مطلب نزع سلاح المقاومة ليس جديدا، بل تكرر في محطات سابقة من الصراع العربي-الإسرائيلي، خصوصا بعد كل مواجهة عسكرية كبرى.

هذا المطلب في حقيقة الأمر يخفي وراءه مشروعا استراتيجيا متكاملا، لا يستهدف سلاح المقاومة بقدر ما يستهدف فكرة المقاومة المسلحة ذاتها.

فالمطلوب تسليم القضية برمتها.. لا مجرد سلاح المقاومة، فلا قتال ولا تحرير ولا حلم بزوال الاحتلال.

الموضوع ليس فقط “أمن إسرائيل”، بل إعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة.

هو جزء من استراتيجية أكبر، تهدف إلى تحويل القضية الفلسطينية من صراع تحرري، إلى مجرد قضية إنسانية مرتبطة بالأساس بإعادة الإعمار ورفع الحصار والمعونات، تتبع برامج التمويل والإغاثة الإنسانية.

مع محاولات إسرائيلية-أمريكية لإيجاد صيغة تدويل غزة، أي وضعها تحت وصاية دولية.

ويطرح هذا الشرط لفرض تحول تاريخي، مفاده أن تتحول مقاومة غزة إلى نموذج آخر يحاكي المقاومة على طريقة “فتح”، تدافع عن حقها برفع الشعارات لا برفع السلاح.

بالإضافة إلى المأساة الإنسانية في قطاع غزة واستمرار تفاقمها، كورقة ضغط وفرصة ذهبية لإنهاء المقاومة المسلحة كفكرة ومشروع وشرعية.

إلا أن المقاومة من جانبها ترفض هذا الطرح رفضا قاطعا، وتعتبره استسلاما مرفوضا، وتسلّحها أمر شرعي وفق القوانين والأعراف الدولية في ظل تواجد الاحتلال الإسرائيلي.

وفي الأخير، ما وراء نزع سلاح المقاومة ليس مجرد مطلب أمني، بل توجد معركة أعمق، لإعادة رسم ميزان القوى في المنطقة وتغيير طبيعة النزاع، لتصفية القضية الفلسطينية من جهة، وتحديد من يملك الكلمة الأخيرة في مستقبل فلسطين: الاحتلال المدعوم دوليا؟ أم شعب يتمسك بحق المقاومة والدفاع الشرعي عن أرضه من جهة أخرى؟

https://anbaaexpress.ma/vtg68

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى