فيصل مرجاني
منذ تشكّل الدولة المغربية بصيغتها التاريخية الممتدة، شكّلت الزوايا أحد أعمدة البنية الرمزية للمجتمع، ومخزونًا أخلاقيًا وروحيًا أسهم في صيانة الوحدة المذهبية وصياغة الهوية الجماعية.
وقد ارتسمت العلاقة بين الزوايا والسلطة، خاصة مع الملوك العلويين، وفق هندسة دقيقة لا تخضع لمنطق التبعية ولا تنزلق إلى منطق الصدام، بل تقوم على مسافة منهجية محسوبة: مسافة تحفظ للزاوية استقلالها الروحي والتنظيمي، وتتيح لإمارة المؤمنين القيام بدور الراعي والحامي، لا المتدخّل ولا المعيّن، إلا حين تفرض المصلحة العليا للأمة تدخلًا يندرج في باب الرعاية لا الوصاية.
هذه الصيغة التاريخية الفريدة انبثقت من فهم عميق لوظائف إمارة المؤمنين بوصفها سلطة دينية-سياسية ذات شرعية تاريخية وروحية، تؤطر الحقل الديني ضمن المرجعية الصوفية المغربية التي تبلورت عبر قرون، وجمعت بين الاعتدال العقدي، والمرونة الفقهية، والتزكية السلوكية.
وقد أدركت المؤسسة الملكية أنّ الزاوية، لكي تؤدي رسالتها، ينبغي أن تبقى بمنأى عن صراعات النفوذ وتوازنات السلطة، وألا تتحوّل إلى أداة لتصفية الحسابات أو امتلاك الشرعية الرمزية لأغراض غير روحية.
غير أن ما نعيشه اليوم، في ضوء إشكالية الخلافة داخل الزاوية البودشيشية، يعكس تحوّلًا لافتًا في المعادلة التاريخية.
فقد انتقلنا من وضعٍ كانت فيه الزوايا فاعلًا روحيًا محضًا إلى حالة يتقاطع فيها الدين والسياسة والسلطة ضمن شبكة مصالح وأجندات شخصية، ما يفرض قراءة جديدة، غير ساذجة، لمسار الزوايا في المغرب المعاصر.
هذا التحوّل لا يكشف فقط عن انحراف بعض الزوايا عن نهجها الجوهري في التزكية الروحية والخدمة الدينية، بل يبرز ميلًا متزايدًا نحو توظيف الرأسمال الرمزي للزاوية في ميدان الصراع السياسي، بما يفرّغ التجربة الصوفية من مضمونها الأخلاقي والروحي العميق.
الأخطر من ذلك أنّ بعض الخطابات تُشيع فكرة وجود تدخل سلطوي خفي في شؤون الزاوية، وهي رواية تُثير ظنونًا وتغذي تأويلات، لكنها تتجاهل الثابت التاريخية: أن إمارة المؤمنين لم تقم ببناء علاقاتها بالزوايا على الإكراه أو الإملاء، بل على مباركة من تختاره الزاوية من مشايخها، ودعمه ما دام ملتزمًا بالثوابت الروحية والعقدية للمغرب.
هذا المبدأ هو الذي صان وحدة المرجعية وأبقى التعدد الروحي في إطار الانسجام الوطني.
هنا، يفرض المنهج التاريخي المغربي نفسه كإطار مرجعي لفهم هذا التوازن الدقيق. فمنذ العهد المرابطي والموحدي، مرورًا بالسعديين ووصولًا إلى العلويين، احتفظت السلطة المركزية بدور الحَكم الضامن لوحدة المرجعية، دون مصادرة استقلالية البُنى الروحية.
فالسلاطين، من المنصور الذهبي إلى المولى إسماعيل، ثم محمد الخامس والحسن الثاني، أدركوا أن شرعيتهم لا تتعزز عبر الهيمنة على الزوايا، بل عبر احترام مكانتها ورمزيتها، مع الحفاظ على قدرتهم على التدخل الاستثنائي حين تهدد النزاعات أو الانحرافات التوازن العام.
وعليه، فإن ما نشهده اليوم مع الزاوية البودشيشية يضع هذا الإرث المنهجي أمام اختبار جديد، حيث تتقاطع حسابات النفوذ مع البنية الروحية، ويتحول “الحياد الملكي المبدئي” من ضامن للانسجام إلى موضوع للتأويلات.
وهنا يكمن الخطر: فإذا استمر انزلاق بعض الزوايا نحو مسارات السلطة، فإننا لا نكون أمام إشكال داخلي لهذه المؤسسات فحسب، بل أمام اختلال لأحد أعمدة التاريخ السياسي المغربي الذي قام على معادلة دقيقة بين إمارة المؤمنين والزوايا، وهي معادلة ضمنت للأمة قرونًا من الاستقرار الروحي والديني.
الزوايا والأضرحة غير سوى خرافة كتستغلها الدولة باش تبقى الناس فـ الجهل، وهادي هي الحقيقة آ السي الكاتب الصهيوني، وانتو ما كتفرقوش على صحابكم اليهود فهاد الخرافات، والمغاربة ما محتاجينش ليك باش تشرح لينا، وما كيتشرفوش بيك ولا بهاد الموقع اللي خلاك تنشر فيه.
اللي يمد يدو مع الصهاينة ما فيه حتى خير.