آراءسياسة
أخر الأخبار

الترميم اليائس.. لممر طهران – بيروت

تتصرّف إيران كدولة وصاية على البلدين غير معترفة بما أصاب أمبراطوريتها المزعومة من تصدّع وانهيار..

في الخامس من الشهر الجاري أعلن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان تعيين علي لاريجاني أمينا للمجلس الأعلى للأمن القومي. لم يكن القرار تفصيلا روتينيا، بل اعتُبر الأهم منذ انتهاء حرب الـ 12 يوماً بين إسرائيل وإيران في حزيران (يونيو) الماضي.

كُتب الكثير عن ملابسات هذا القرار ووجاهة تعيين شخصية مقرّبة من المرشد مقبولة من التيار المحافظ والحرس الثوري ومن التيار المعتدل والإصلاحي في البلاد.

بدا لذلك التعيين مهمة عاجلة تهدف إلى استكشاف ورشة يائسة لترميم طريق طهران-بيروت. بنت إيران أطماعها الأمبراطورية على “الهلال” الشهير من خلال ممر يخترق المشرق مرورا بالعراق وسوريا وحتى شواطئ البحر المتوسط في لبنان.

ولئن أحدث سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا نكسة تاريخية موجعة لتلك الطموحات، فإن طهران شعرت بجسارة ارتدادات “الزلزال” السوري على التحوّلات الجيوسياسية في العراق ولبنان.

بدا أن في الأمر عجالة تفرض على لاريجاني التحرّك بعد أيام من تعيينه في منصبة الاستراتيجي باتجاه العراق ولبنان. وبدا أيضا وكأن الأشغال التي يعكف لاريجاني على تنفيذها تحتاج إلى إصلاح تشقّق مقلق في نفوذ إيران في العراق بصفتها دولة معبر لممر إيران، وترميم ما يمكن ترميمه من نفوذ في لبنان، دولة مصب ذلك النفوذ شرق البحر المتوسط.

وفي كلا الحالتين يكتشف العالم أن نفوذ الجمهورية الإسلامية لا يتعلّق بتعزيز علاقة الدولة الإيرانية بدولتي العراق ولبنان، بل يرتهن فقط إلى بقاء سلاح الميليشيات والحفاظ على وظائفه.

احتاج لاريجاني إلى المكوث أيام عدّة للخروج باتفاق أمني مع بغداد. جال الرجل على مسؤولي الدولة وكبار سياسييها في تمرين أرادت طهران منه صدّ “مؤامرة” تحيكها الولايات المتحدة ضد “الحشد الشعبي”.

أشعل ذلك سجالا بين طهران وواشنطن سعى العراق إلى تدوير زواياه والاجتهاد في الاهتداء إلى موقف هشّ يحافظ على موقعه كدولة مستقلة ذات سيادة تحافظ على علاقاتها مع الولايات المتحدة كما علاقاتها مع إيران.

وبدا في هذا التمرين تكلّف خرج منه لاريجاني بمذكرة تفاهم أمنية مع العراق “هدفها عدم ترك مجال للآخرين للإخلال بأمن البلدين”، حسب قوله.

ورغم اللغط الذي صاحب زيارة لاريجاني إلى بغداد، فإن الرجل بدا داخل بيئة ما زالت حاضنة، على الأقل بما تملكه الفصائل والتيارات السياسية الشيعية الموالية لطهران من مكانة داخل المشهد السياسي العام في البلاد. غير أن تلك الرمادية وذلك اللغط لم يجده لاريجاني في لبنان.

بدت بيروت في زمن آخر خارج زمن إيران وتوقيته. انتقل البلد منذ انتخاب الرئيس جوزيف عون رئيسا وقيام حكومة برئاسة نواف سلام إلى طور آخر بدت واجهاته نافرة بعد إقرار الحكومة بند حصرية السلاح بيد الدولة وإعداد جدول زمني لتسلّم سلاح كافة الميليشيات بما فيها حزب الله. ولئن تستنتج طهران تراخي نفوذها على بغداد فإنها تستنتج بتوتّر وغضب إنهيار ذلك النفوذ على بيروت.

تبدو طهران، في بغداد وبيروت، منخرطة في سياق تتخاطب داخله مع واشنطن. تتمسك طهران بنهج تقدم من خلاله نفسها ندّا منافسا للولايات المتحدة في إدارة شؤون المنطقة.

ولئن تزعم في العراق التصدي لضغوط أميركية على بغداد بشأن قانون “الحشد الشعبي”، فإنها تزعم في لبنان التصدي لورقة المبعوث الرئاسي الأميركي، توم باراك، بشأن خطة تنتهي بتسليم حزب الله لسلاحه.

تتصرّف إيران كدولة وصاية على البلدين غير معترفة بما أصاب أمبراطوريتها المزعومة من تصدّع وانهيار. ولا شك أن الرجل سيكتشف أن لا أمل في ترميم “الممر” طالما أن قلاعها في سوريا قد أُزيلت وتتضافر جهود المنطقة والعالم على جعلها عدماً لا حياة تعود إليها.

https://anbaaexpress.ma/39r8z

محمد قواص

صحافي وكاتب سياسي لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى