آراءسياسة
أخر الأخبار

الأمم المتحدة بين الحياد والانحياز: الجزائر خارج الصورة.. حقوق تندوف مهملة ومبادرة الحكم الذاتي مغيبة

ركز التقرير بشكل مبالغ فيه على مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، بينما تجاهل الانتهاكات الخطيرة التي تُرتكب في مخيمات تندوف فوق التراب الجزائري..

د. أميرة عبد العزيز

صدر مؤخرا تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الصحراء المغربية (A/80/290)، الذي كان من المفترض أن يعكس الحياد والموضوعية ويقدّم قراءة متوازنة لمستجدات النزاع الذي تجاوز نصف قرن.

غير أنّ التقرير الأخير كشف عن انحياز واضح وانتقائية في عرض الحقائق، إذ بدا وكأنه يكرر سرديات مكررة لا تخدم مسار السلام، ويغفل عن جوهر الأزمة وأطرافها الحقيقية.

ركز التقرير بشكل مبالغ فيه على مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، بينما تجاهل الانتهاكات الخطيرة التي تُرتكب في مخيمات تندوف فوق التراب الجزائري، حيث يعيش آلاف الصحراويين في ظروف مأساوية محرومين من أبسط حقوقهم الأساسية.

لم يتوقف التقرير عند معاناة هؤلاء، ولم يُشر إلى غياب أي آلية أممية لمراقبة أوضاعهم، ولا إلى الطابع غير القانوني لوجودهم رهائن تحت سلطة جبهة انفصالية مسلحة.

هذا التجاهل يطرح علامات استفهام حول مدى التزام الأمم المتحدة بمبدأ الشمولية في رصد الانتهاكات أينما كانت.

الأكثر خطورة في النص الأممي أنّه تعامل مع الجزائر، الراعي والمموّل والداعم الأساسي للبوليساريو، بوصفها مجرد بلد جار، في وقت يعرف فيه المجتمع الدولي أنّ النزاع لم يكن ليستمر لولا تورط الجزائر المباشر سياسياً ومالياً وعسكرياً.

إفراغ الجزائر من مسؤوليتها يضرب أي مسار سياسي في الصميم، ويجعل الحل رهينة خطاب غير واقعي لا يعكس حقيقة الأطراف المتورطة.

كما تبنى التقرير مقاربة غير متوازنة في مسألة الموارد الطبيعية. فقد أشار إلى مزاعم استغلال غير مشروع للثروات في الصحراء، متجاهلاً أنّ الاستثمارات المغربية في المنطقة تأتي ضمن مشاريع تنموية كبرى تهدف لتحسين حياة الساكنة وتوفير البنية التحتية والخدمات الصحية والتعليمية وفرص العمل.

اختزال هذه الجهود في سردية قانونية ضيقة، معتمدة على أحكام متنازع حولها داخل المحاكم الأوروبية، يظهر وكأن التقرير يقتبس ما يخدم موقفًا بعينه دون اعتبار للتحولات الاقتصادية والاجتماعية في الإقليم.

أما على المستوى السياسي، فقد غاب عن التقرير إدراج التطور الأهم في السنوات الأخيرة، وهو الدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي المغربية باعتبارها الحل الأكثر جدية وواقعية.

مواقف فرنسا، وإسبانيا، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، ودول عربية وإفريقية عديدة، كلها خطوات دبلوماسية كبرى نحو الاعتراف بأن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الطريق الأمثل لإنهاء النزاع.

تجاهل هذه الدينامية الدولية يُضعف التقرير ويجعل محتواه متأخراً عن الواقع السياسي الجديد، وكأنّه وثيقة جامدة لا تواكب التحولات الميدانية والدبلوماسية.

ولم يتوقف التقرير عند هذا الحد، بل جاء في لغته فضفاضاً، مكرراً عبارات عامة عن “حل سياسي عادل ودائم” دون تقديم أي خريطة طريق أو آليات ملموسة لتسريع التسوية.

هذا التكرار المستمر منذ عقود لم يُسفر إلا عن إطالة أمد النزاع وإنتاج المزيد من الجمود. بدون تسمية الأطراف المعرقلة وتحميلها المسؤولية، يبقى الخطاب الأممي مجرد كلام دبلوماسي لا أثر له على أرض الواقع.

تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الصحراء المغربية في 2025 لا يمكن اعتباره سوى وثيقة ناقصة المصداقية، إذ يفتقد إلى الحياد من جهة، وإلى الجرأة من جهة أخرى.

فهو يوجّه الاتهام إلى المغرب بلغة غير متوازنة، في الوقت الذي يغض فيه الطرف عن انتهاكات البوليساريو في تندوف وعن الدور المركزي للجزائر.

مثل هذه المقاربات لا تخدم السلام، بل تساهم في إدامة الصراع وتثبيت وضعية اللاسلم واللاحرب التي تهدد استقرار شمال إفريقيا والساحل.

إذا كانت الأمم المتحدة تسعى فعلاً للحفاظ على ما تبقى من مصداقيتها، فعليها إعادة النظر في طريقة تعاملها مع هذا الملف، وإدراج الجزائر كطرف رئيسي في النزاع، والاعتراف جدياً بمبادرة الحكم الذاتي المغربية كإطار واقعي لحل دائم.

بدون ذلك، ستظل تقاريرها حبرًا على ورق، وستبقى المنطقة رهينة لعبة سياسية غير عادلة تتجاهل إرادة السكان ومعطيات الواقع.

فهل فعلاً الأمم المتحدة تسعى إلى الحلول السلمية، أم باتت تعرقل الاستقرار والأمن الدولي؟

https://anbaaexpress.ma/ln2iw

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى