في خطوة استراتيجية تعكس تحولا كبيرًا في السياسة الدفاعية الأميركية تجاه القارة الإفريقية، صادقت واشنطن رسميًا على فصل قيادة القوات الأميركية في إفريقيا (AFRICOM) عن الهيكلية المشتركة مع القيادة الأوروبية، بعد أن حظي القائد الجديد لأفريكوم بموافقة مجلس الشيوخ، ما يمهد الطريق لتأسيس قيادة مستقلة مخصصة للشأن الإفريقي. و
تفيد تقارير غير رسمية بأن المغرب يطرح بقوة كموقع محتمل للمقر الجديد للقيادة.
هذا القرار يأتي في سياق تصاعد التنافس الجيوسياسي في القارة السمراء، لاسيما مع تزايد النفوذين الروسي والصيني، وهو ما أبرزه القادة العسكريون الجدد لأفريكوم خلال جلسات الاستماع في الكونغرس، حيث أكدوا أن موسكو وبكين توسعان حضورهما العسكري والاقتصادي في العديد من الدول الإفريقية، ما يستوجب ردًا أميركيًا أكثر فعالية ومرونة.
وكانت أفريكوم حتى الآن تعمل ضمن هيكل مشترك مع القيادة الأوروبية (USAREUR-AF)، وهو ما حد من استقلاليتها وقدرتها على التعامل مع التهديدات الطارئة والمعقدة في إفريقيا. الفصل الجديد يمنحها صلاحيات مباشرة في اتخاذ القرار ورسم استراتيجية مخصصة للمسرح الإفريقي، ما يعكس إدراكًا متزايدًا لأهمية إفريقيا في موازين القوى العسكرية والاقتصادية العالمية.
ويرى مراقبون أن اختيار المغرب كموقع محتمل للمقر الرئيسي للقيادة ليس خيارًا عرضيًا، بل يستند إلى معايير جيوستراتيجية متقدمة. فالمملكة تُعد شريكًا موثوقًا للولايات المتحدة في مجال الأمن والدفاع، وتستضيف مناورات “الأسد الإفريقي” السنوية، وهي واحدة من أكبر التدريبات العسكرية المشتركة في القارة.
كما أن موقع المغرب في شمال إفريقيا يمنح القوات الأميركية قدرة لوجستية عالية وتواصلًا سلسًا مع الشركاء الإقليميين، بالإضافة إلى مرونة التحرك نحو مناطق التوتر في الساحل والصحراء ووسط القارة.
وتحمل هذه الخطوة أيضًا دلالات سياسية قوية، إذ تعزز حضور الولايات المتحدة العسكري في محيط يشهد توسعًا روسيًا عبر مرتزقة “فاغنر”، وتمدداً صينياً عبر استثمارات استراتيجية في البنى التحتية والموانئ.
كما تمثل هذه المبادرة رسالة مباشرة إلى شركاء واشنطن التقليديين في القارة، مفادها أن الولايات المتحدة مستعدة لإعادة رسم أدوات نفوذها ورفع مستوى التزامها الأمني في وجه التحولات الدولية المتسارعة.
وفي حال تأكيد المغرب كمقر دائم، فذلك سيعني تعزيز غير مسبوق للشراكة الأمنية المغربية‑الأميركية، وتحول الرباط إلى منصة إقليمية رئيسية في الاستراتيجية الدفاعية الأميركية، بما في ذلك مكافحة الإرهاب، وتأمين طرق الملاحة، والتصدي للتحديات العابرة للحدود.
بهذا الفصل الهيكلي والتحول الجغرافي المحتمل، تدخل السياسة الدفاعية الأميركية تجاه إفريقيا مرحلة جديدة، قائمة على الحضور المباشر والقيادة المنفصلة، في مشهد جيواستراتيجي يتسم بالتعقيد وتزايد التحديات.
تعليق واحد