لم تحمل القمة التي جمعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا أي اختراق حقيقي بشأن الأزمة الأوكرانية، رغم محاولات إظهار أجواء إيجابية والحديث عن نقاط تفاهم مشتركة.
فبعد ثلاث ساعات فقط من المحادثات التي احتضنتها قاعدة “المندورف ريتشاردسون” الجوية، أعلن الطرفان اختتام القمة بصورة مفاجئة، تلاها مؤتمر صحفي مقتضب لم يتجاوز 12 دقيقة، تبادلا فيه كلمات الثناء لكن دون تقديم خطوات عملية ملموسة لوقف إطلاق النار.
ترامب، الذي يحرص دوماً على تسويق نفسه كـ “صانع صفقات”، اعتبر اللقاء “مثمراً للغاية” رغم اعترافه بأن “الاتفاق لم يحن أوانه بعد”، فيما اكتفى بوتين بعبارات عامة أعرب فيها عن أمله في أن “يمهد التفاهم الطريق للسلام في أوكرانيا”.
غير أن هذا التفاؤل الشكلي جاء في وقت تحقق فيه القوات الروسية مكاسب ميدانية جديدة، ما يمنح الكرملين أوراق ضغط إضافية في أي مفاوضات لاحقة، مقابل تصريحات أوكرانية عن استعادة قرى ميدانية.
اللافت في القمة كان الطابع الرمزي أكثر من العملي: استقبال ودي لبوتين في أرض أميركية للمرة الأولى منذ غزو أوكرانيا في فبراير 2022، خطوات بروتوكولية غير معتادة من ترامب كمرافقته ضيفه حتى سيارة الليموزين الأميركية، وتحليق قاذفة شبح “بي-2” في الأجواء لإظهار القوة الأميركية.
لحظة لقاء ترامب ـ بوتين في ألاسكا
لكن خلف هذه المشاهد ظل ملف أوكرانيا على حاله، وسط غياب أي حضور للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي رفض ضغوط ترامب للتنازل عن أراضٍ سيطرت عليها روسيا.
ومن الناحية السياسية، بدا ترامب حريصاً على إعادة صياغة صورته التي اهتزت في قمة هلسنكي عام 2018 حين اتُّهم بالظهور ضعيفاً أمام بوتين. هذه المرة شدد على أنه “سيكون حازماً”، لكنه في الوقت نفسه فتح الباب لمحادثات مستقبلية قد تُعقد في موسكو، كما لمح بوتين بابتسامة لافتة.
أما على مستوى الخطاب الداخلي، فقد أعاد ترامب التذكير بـ “الخدعة” التي لاحقته بشأن تدخل روسيا في انتخابات 2016، في محاولة لتبرئة نفسه أمام الإعلام الأميركي، بينما وصف القمة لقناة “فوكس نيوز” بأنها “عشرة على عشرة”.
القراءة التحليلية لهذه القمة وفق مختصين في العلاقات الأمريكية الروسبة ، تكشف أن كلا الزعيمين سعيا أكثر إلى تسجيل نقاط رمزية في لعبة العلاقات الدولية، فترامب أراد الظهور بمظهر الرئيس القادر على كسر الجمود والجلوس مع خصوم واشنطن، بينما بوتين استثمر اللقاء لإعادة تقديم نفسه على المسرح الغربي رغم مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحقه..
لكن غياب أي اختراق في مسألة وقف إطلاق النار يعكس الفجوة العميقة بين الطرفين، ويترك مصير الحرب مرهونا بتوازنات الميدان الأوكراني ومواقف حلف شمال الأطلسي، أكثر من كونه نتاجا لابتسامات ودية أو مؤتمرات بروتوكولية.




