آراء
أخر الأخبار

وجبة لا بد منها في هجاء الذات العربية

البيت العربي خرب، ومكشوف، وقابل للاختراق والاستعمال. تنظر الإمبرياليا في طور حماقتها إلى العرب كزائدة دودية في مجال جيوبوليتيكي يتعين في نظرها إعادة خلط أوراقه استعدادا لتوزيع جديدة ولعبة قادمة.

أمة فقدت ذوقها في زحمة الأحداث، آثرت العيش بالمغالطة وفي المغالطة وللمغالطة. جغرافيا الخيانة الممددة، وتاريخ المؤامرة المزمنة، والأسوأ من كل هذا: الوفاء للجهل. فالويل ثم الويل للعرب من شر قد اقترب.

يؤلمني هذا التكرار، عقل عربي يجتر مصائبه بالوتيرة نفسها، لا شيء تغير.

البيت العربي خرب، ومكشوف، وقابل للاختراق والاستعمال. تنظر الإمبرياليا في طور حماقتها إلى العرب كزائدة دودية في مجال جيوبوليتيكي يتعين في نظرها إعادة خلط أوراقه استعدادا لتوزيع جديدة ولعبة قادمة.

وهم كقطيع من الخرفان يتجهون في تنافس وتناطح نحو المذبحة.

ألف العرب تخريب بيوتهم بالتآمر، وحرق ميثاقهم القومي بافتعال ما لا يجوز وما لا ينفع في معادلة صراع لا زال النظر فيها محكوما بميل للتبسيط، فالعرب يخشون من التعقيد، وهم بالفعل كما ذكر ابن خلدون لا يتغلبون إلا على البسائط.

القابلية لهضم التبسيط واستهلاكه حال دون استيعاب حركة التاريخ، التي ندخلها ريشة في مهب الريح. إن فعلنا في التاريخ هو ضرب من المصادفة، وحتى الآن نحن لم نستوعب أزمتنا.

وجب أن لا نجلد أنفسنا فحسب، بل علينا ركل أنفسنا ورفسها حد الإغماء. من يملك إيقاظ العرب من سباتهم؟

كل الحروب العربية الداخلية مفتعلة وحصيلة تآمر واستعمال، ويتكرر الموقف، والعقل العربي سياسيا ومعرفيا في إجازة مفتوحة.

مزاعم وادعاءات طوابير الفتنة العربية كثيرة، فهم خبراء مزيفون في التاريخ، ولكنهم يرقدون خارج التاريخ، وخبراء مزيفون في الجغرافيا، ولكنهم معرضون للتجزئة والتقسيم.

خبراء مزيفون في السياسة، غير مستوعبين لعلمها وتاريخها. خبراء مزيفون في القانون الدولي، ولكنهم يجهلون روح القوانين. ففي هذا الطور الامبريالي الموسوم بالحماقة، يبدو أننا دخلنا مرحلة القابلية للتجهيل.

أمة غير صادقة مع نفسها ومع التاريخ، تهدر جهودها في التآمر والمزايدات، لهي حقا أمة مكتوب عليها أن تنهزم إن لم تستيقظ من سباتها التاريخي، وتكف عن اللامسؤولية والعدوانية والسمسرة.

هذه أمة مولعة بتحريف التاريخ وافتعال الأزمات، وهي مستعدة للاندفاع حتى آخر رمق في الحروب الخطأ ، لكنها اجبن من أن تخوض في معركة الكرامة.

من يشفي هذه الأمة من حقارتها المزمنة، من هزيمتها المنكرة، من ظاهرتها الصوتية التي قلبت الوعي على رأسه؟ يتأكد هذا الوضع متى رأينا أنها أمة تكرر أخطاءها، وهي في أفضل الأحوال تخلط اليابس والاخضر، لأن لا أحد استطاع الانعتاق من بنيتها المأزومة.

كنا نظن أن الأزمات الكبرى هي فرصة لاستعادة الوعي بالمصير، لكنه بات واضحا بما فيه الكفاية أننا أكثر الأمم صمودا في وجه الحق، أكثر صمودا في الجهل، أكثر عنادا في تجريب المجرب.

حالت الأحقاد دون رقينا الحضاري وكفاحنا التحرري، نعود إلى مظفر النواب:
ما أوسخنا
ما أوسخنا
ما أوسخنا
ونكابر
ما أوسخنا
لا أستثني أحدا..

في هجاء العرب السائبة

وما أقعدني عن لعن هذه الأمة سوى وعكة ألمت بي، فزادتني قدرة على التمييز بين الأقارب والأباعد ومكنتني من الروية عسى أن أرى الأشياء كما هي. أمة انتزعت منها الرحمة وفقدت مروءتها لكن لسانها المسيخ استطال دجلا.

وما تبقى هو فرجة مفتوحة على ظواهر مستبهمة فقدت أنوستها، ولم يعد لها الا تعريف منطقي واحد: نسانيس تمشي منتصبة القامة، لكنها فاقدة للكرامة والوفاء.

لا أثق منذ زمان، واليوم أكثر، في أي مقاربة ينطق بها أي “دكانجي” يحترف السياسة الديماغوجية الرقطاء، نحن أمام ظواهر هستيرية في نوبة من الهذيان، هاربة من ظلالها بالمعنى اليونغي للعبارة، تعبر عن هزيمتها العميقة، وهي في حالة تعويض مرتبك لسيكولوجيتها الجماعية: سيكولوجيا الإنسان العربي المهزوم.

لماذا يستبقون الأحداث ويكتبون السيناريوهات من كيسهم؟ لماذا يحبون اختزال الوقائع، والبحث عن المخرج السهل؟ لماذا لا يسمعون أكثر مما يهرجون؟ من يحرر هذه الأمة من خداعها العصابي لنفسها؟

لم يعد مهما في بيداء العرب السائبة أن تتكلم أو تتحدث، فلقد اكتض الفناء بسماسرة التهريج وفسد الزمان العربي، واعشوشبت التفاهة واكتملت شروط الردة البيولوجية، حتى بات الكائن اما ثعلب ماكر او ذئب ضاري أو خنزير لئيم أو ابن آوى محتال. أين الإنسان داخل مزرعة المسوخ الملونة؟

تستحق إذن الذات العربية الجلد وأزود، تستحق الاستعباد وأنكر. ولولا قليل من أهل المروءة والنهى، وهم ملح الوجود وبوازيره، لساخت الأرض بهم ولم يبق من شر مسوخها ديارا.

إن الحقد أخطر من الكفر، ولقد جاوز العرب الكفر ودخلوا طور انقلاب الماهية.

https://anbaaexpress.ma/dlz4y

إدريس هاني

باحث ومفكر مغربي، تنصب إهتماماته المعرفية في بحث قضايا الفكر العربي، أسئلة النهضة والإصلاح الديني .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى