في خطوة نوعية ومليئة بالدلالات، شهدت العاصمة الإسبانية مدريد تنظيم فعالية متميزة بمقر كتابة الدولة في الهجرة، التابع لوزارة الإدماج والضمان الاجتماعي والهجرة، تم خلالها تقديم دليل قانوني ونفسي اجتماعي لفائدة المهنيين العاملين مع القاصرين المهاجرين غير المصحوبين.
هذا الدليل الذي أنجزته مؤسسة ابن بطوطة، يأتي في إطار مشروع “الطفولة الآمنة”، الممول من طرف وزارة الإدماج والضمان الاجتماعي والهجرة، وبدعم مشترك من الاتحاد الأوروبي.
يشكل هذا العمل المرجعي إضافة نوعية إلى الأدبيات العملية والتقنية الموجهة للمهنيين في القطاعات الاجتماعية، القانونية، الصحية والتربوية.
وقد جاء ليسد فراغا طالما أشار إليه الممارسون في الميدان: غياب أدوات مرجعية تدمج المنظور القانوني والنفسي والاجتماعي، وتستجيب للتعقيدات الواقعية التي تحيط بعمل المتدخلين في ملف القاصرين الأجانب غير المصحوبين.
افتتاح مؤسساتي يعكس الانخراط الرسمي
تميز افتتاح اللقاء بحضور رسمي رفيع المستوى، حيث ألقى كل من السيد سانتياغو ييرغا كوبوس، المدير العام للهجرة، والسيد سَعُول غوميث ألبرولا، مستشار ديوان وزارة الطفولة والشباب، كلمات عبّرا فيها عن أهمية المشروع وعن التزام المؤسستين الحكوميتين بدعم الجهود المدنية التي تروم تحسين أوضاع الأطفال المهاجرين.
أشاد السيد سانتياغو ييرغا في كلمته بالتعاون البناء مع المجتمع المدني، وأكد أن حماية الطفولة المهاجرة تظل من أولويات عمل المديرية العامة للهجرة.
كما لم يفوّت الفرصة ليؤكد على أهمية التعديلات التشريعية الأخيرة التي أتاحت للقاصرين الحصول على تصاريح إقامة وعمل، الأمر الذي ساعد في إدماجهم بشكل أكثر كرامة وإنصاف.
تقديم الدليل: بين التجربة الميدانية والرؤية الاستراتيجية
تولت الصحفية والناشرة مرسيدس بيسكادور مارتين، مؤسسة دار النشر “ميديالونا”، تقديم وتيسير أطوار هذا اللقاء، حيث أدارت النقاشات بطريقة مهنية جمعت بين الرصانة الإعلامية والدفء الإنساني.
شهدت الجلسة مشاركة كل من:
الأستاذ عزيز اللوزي، مدير مؤسسة ابن بطوطة في مدريد، الذي تحدث عن خلفية إعداد الدليل وسياق المشروع.
الأستاذة شيماء اليوسفي، محامية، التي تطرقت إلى الإطار القانوني المنظم لوضعية القاصرين.
الأخصائية النفسية إلسا الحلو، التي تحدثت عن أهمية المقاربة النفسية والإنصات في التعامل مع هذه الفئة.
أكد المتدخلون أن إعداد هذا الدليل لم يكن مجرد عملية مكتبية، بل نتاج عمل ميداني طويل من الاستماع للممارسين، وتحليل حالات واقعية، وتبادل خبرات مع المهنيين الذين يشتغلون يوميا في ظروف صعبة ومعقدة.
لماذا دليل للقاصرين؟
في مداخلته، تحدث عزيز اللوزي عن الأسباب البنيوية التي تدفع الأطفال إلى الهجرة بمفردهم:
· انعدام الحماية الاجتماعية في بلدان الأصل.
· غياب المدرسة أو تردي جودتها.
· الفقر المدقع والفوارق الاجتماعية.
· هجرة الوالدين وترك الأطفال في وضع هش.
· العنف الأسري، أو تفكك الروابط العائلية.
· تأنيث الفقر، والأمهات العازبات في أوضاع اجتماعية صعبة.
وأشار إلى أن هؤلاء الأطفال لا يهاجرون بدافع المغامرة، بل تحت ضغط الضرورة، هربًا من واقع لا يطاق، نحو أمل في مستقبل أكثر أمانًا.
نقاش مفتوح مع الفاعلين في الميدان
عرف اللقاء مشاركة مهنيين من مختلف القطاعات والمؤسسات، وقد فتح المجال أمام الحاضرين لطرح تساؤلاتهم، ومقترحاتهم، وتجاربهم الشخصية.
وكان التفاعل غنيًا ومؤثرًا، وركز بالأساس على ضرورة توفير التكوين المستمر، وتبني سياسات وقائية بدل الاكتفاء بالتدخلات اللاحقة، وأهمية الرعاية المتعددة التخصصات.
تقدير خاص وشكر للمساهمين
في ختام اللقاء، تم توزيع نسخ مطبوعة من الدليل، وتوجهت مؤسسة ابن بطوطة بالشكر إلى جميع الشركاء، خاصة إلى الفريق التقني للوزارة، وفريق النشر بدار ميديالونا، على التزامهم المهني والعمل تحت ضغط الزمن لإنجاح المشروع.
نحو التمكين الحقيقي للأطفال المهاجرين
يمثل هذا الدليل خطوة أولى في مسار طويل من التمكين، ليس فقط للمهنيين ولكن للقاصرين أنفسهم، الذين يستحقون، رغم ظروفهم، أن يتم التعاطي مع آلامهم وآمالهم بكثير من الإنسانية، الكفاءة، والاحترام.
وهو نداء مفتوح لكل المؤسسات المعنية: لحماية مستقبل الطفولة المهاجرة، لا بد من توحيد الجهود،وتوفير أدوات الاشتغال، وإعلاء الكرامة كأفق مشترك.