في الأيام الأخيرة، انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي فيديوهات توثّق افتتاح حسينيات شيعية في عدد من المناطق التونسية، في مشهد غير مألوف يعكس تصاعد النشاط الشيعي العلني داخل المجتمع السني المالكي.
هذه المقاطع، التي أظهرت طقوسًا دينية دخيلة عن التقاليد التونسية، أثارت جدلاً واسعًا وتساؤلات حقيقية حول خلفيات هذا التمدد، والجهات التي تقف وراءه، خاصة في ظلّ معلومات متداولة عن دعم مباشر من السفارة الإيرانية في تونس، وتواطؤ بعض النخب التي اختارت المذهب الشيعي تحت غطاء ثقافي أو فكري.
ويرى متابعون أن هذه الحسينيات ليست مجرّد فضاءات للعبادة، بل أدوات ناعمة لبثّ مشروع مذهبي عابر للحدود..
جدير بالذكر، في خضم التحولات الكبرى التي شهدتها تونس ما بعد الثورة، أطلّ التشيّع من نافذة الفوضى الدينية، ليتسلل تدريجيًا إلى المشهد المجتمعي، قبل أن يرسّخ جذوره في بعض المناطق، خصوصًا في الجنوب التونسي، تحت غطاء “الحسينيات” وأنشطة ثقافية ظاهرها التعاون، وباطنها نشر المذهب الشيعي الإمامي الاثني عشري.
ورغم الخلفية التاريخية للتشيع في تونس إبّان الحقبة الفاطمية، فإن ما نراه اليوم ليس امتدادًا لتاريخ محلي، بل تغلغل خارجي ممنهج، تقوده جهات إقليمية على رأسها النظام الإيراني، وتجد فيه الجزائر بوابةً خلفية لدعم أي اختراق يُضعف المذهب السني ويشتّت وحدة شعوب المنطقة.
من الدولة الفاطمية إلى الدولة الإيرانية: تشيّع مختلف
شهدت تونس خلال القرن العاشر الميلادي صعود الدولة الفاطمية، أول دولة شيعية في التاريخ الإسلامي، والتي اتخذت من القيروان منطلقًا لحكمها قبل أن تنتقل إلى القاهرة.
ورغم تراجع المذهب الشيعي بعد سقوط الفاطميين وعودة المذهب المالكي كمرجعية دينية، فإن الذاكرة التونسية لم تنسَ ذلك الأثر، مما سهّل على بعض القوى استغلال هذا التاريخ لإعادة النفوذ عبر “نوافذ جديدة”.
ومن أبرز هذه النوافذ، السفارة الإيرانية في تونس، التي استثمرت في المجال الأكاديمي والثقافي والديني، واستقطبت عددًا من المثقفين والطلبة، ما أدى إلى تنامي عدد المعتنقين للمذهب الشيعي بشكل لافت.
فبعد أن لم يكن يتجاوز بضعة آلاف قبل الثورة، تشير معطيات ميدانية – غير رسمية – إلى أن عددهم بلغ أكثر من مليون تونسي!
التشيّع في تونس اليوم: نشاط ثقافي أم اختراق مذهبي؟
ما يحدث اليوم في تونس لا يمكن اختزاله في “حرية دينية” أو “تنوع فكري”، بل هو اختراق ناعم يتستر بالثقافة ليُدخل المذهب الشيعي إلى المجتمع السني، عبر الحسينيات، والبرامج الممولة، والدورات الفكرية.
ورغم ادعاء بعض النشطاء الشيعة بأنهم غير معنيين بالشأن السياسي، فإن ارتباطهم بالجهات الإيرانية ووجودهم داخل أحزاب كبرى كـ”حركة النهضة” و”نداء تونس” و”الجبهة الشعبية” يطرح أسئلة مشروعة حول أهداف هذا التمدد.
بل الأكثر خطورة، هو التنسيق غير المعلن – وربما المقصود – بين بعض دوائر القرار في الجزائر، التي شهدت هي الأخرى تناميًا لافتًا للتشيع في بعض ولاياتها الشرقية والغربية، في سعي مشترك لإضعاف المرجعية السنية في المنطقة، خاصة في ظل ضعف المؤسسات الدينية في بعض البلدان المغاربية.
إمارة المؤمنين بالمغرب.. الحصن الحصين في وجه الاختراق
في هذا السياق الإقليمي المعقد، يبرز نظام إمارة المؤمنين في المغرب كحصن منيع ضد الاختراق المذهبي والفكري والديني.
فالملك محمد السادس، بصفته أمير المؤمنين، لا يُمثل فقط زعامة سياسية، بل هو حامل لشرعية دينية ضاربة في التاريخ، تجعل من المغرب حالة فريدة في العالم الإسلامي.
أدوار إمارة المؤمنين:
– حماية الثوابت الدينية للمملكة: المذهب المالكي، والعقيدة الأشعرية، والتصوف السني.
– رعاية المؤسسات الدينية الكبرى، كـ”المجلس العلمي الأعلى”، وتأطير الشأن الديني برؤية معتدلة ومتوازنة.
– التصدي للتشيع والتطرف معًا، عبر ضبط المجال الديني ومحاربة كل من يحاول استغلاله سياسياً أو طائفياً.
– توحيد المغاربة تحت مرجعية شرعية دينية، تخلق مناعة مجتمعية ضد كل أشكال الفوضى الدينية أو المذهبية المستوردة.
بين ولاية الفقيه وإمارة المؤمنين: الفارق الجوهري
في حين يقوم النظام الإيراني على مبدأ “ولاية الفقيه”، حيث يجمع المرشد الأعلى بين السلطة الدينية والسياسية في إطار طائفي.
فإن إمارة المؤمنين في المملكة المغربية ترتكز على البيعة الشرعية، والشرعية التاريخية، والمكانة الروحية للمؤسسة الملكية. إنها ليست سلطة دينية تُفرض، بل مرجعية تُجمع عليها الأمة.
خلاصة وتحذير
إن ما يجري في تونس ليس شأناً داخلياً محضًا، بل هو جزء من مشروع أوسع لاختراق شمال إفريقيا مذهبيًا، بتواطؤ خفيّ من بعض الأنظمة، وبأدوات ناعمة تستهدف البنية المجتمعية والدينية.
وحده المغرب، بنظام إمارة المؤمنين، يشكل سدًا منيعًا أمام هذا المد، ويقدّم نموذجًا متفردًا في تحصين العقيدة وحماية الملة والدين.
ولذلك، فإن اليقظة مطلوبة، والتنسيق المغاربي ضروري، لمواجهة خطر قد يتحول من مذهبي إلى طائفي، ومن فكري إلى سياسي.. فتضيع الهوية، وتتمزق الأمة.
