في خطوة مفاجئة تحمل أبعادا استراتيجية، طلبت الحكومة السورية الجديدة دعما رسميا من أنقرة لتعزيز قدراتها الدفاعية ومكافحة التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها “داعش”، ما يعكس تحولا لافتًا في ديناميكيات العلاقة بين البلدين ويفتح الباب أمام شراكة أمنية قد تعيد تشكيل موازين القوى في المنطقة.
وأكدت وزارة الدفاع التركية أنها بدأت بالفعل تقديم التدريب والاستشارات والدعم الفني لدمشق، في وقت يشير فيه مراقبون إلى مساعٍ تركية لملء الفراغ الذي خلفه تراجع الدورين الروسي والإيراني في الملف السوري، خاصة بعد الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد نهاية 2024.
التحرك التركي يأتي بعد أزمة دامية في محافظة السويداء أسفرت عن مقتل أكثر من 400 شخص في صدامات بين مجموعات درزية وعشائر بدوية، دفعت حكومة الشرع إلى البحث عن شركاء أمنيّين جدد لضبط الأوضاع الداخلية، خصوصًا مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على دمشق واحتدام الصراع الطائفي.
وبموازاة ذلك، تتجه تركيا إلى بناء قواعد دفاع جوي داخل الأراضي السورية، وهو ما قد يمنحها تفوقًا استراتيجيًا في المجال الجوي ويحدّ من التحركات الإسرائيلية. وفي الوقت ذاته، يتنامى قلق تل أبيب من هذا التقارب، خشية من اتساع رقعة النفوذ التركي.
وعلى صعيد الملف الكردي، دخلت تركيا على خط الاتفاق بين دمشق وقوات “قسد”، الداعي لوقف إطلاق النار والاعتراف بالمكون الكردي كمكوّن وطني، مع تأكيد أنقرة على ضرورة التزام تلك القوات باتفاقاتها، وسط مراقبة دقيقة للتنفيذ من قبل المؤسسات التركية المعنية.
تحركات أنقرة تكشف أيضًا عن نيتها تأسيس تحالف إقليمي أمني يضم سوريا والعراق والأردن لمكافحة الإرهاب، بما يعزز طموحاتها للعب دور قيادي في صياغة مستقبل المنطقة، خصوصًا في ظل عزمها على تأمين حدودها وإعادة اللاجئين السوريين، في ملف يكتسب أهمية داخلية قبيل أي استحقاقات انتخابية تركية قادمة.
التحليل يشير إلى أن الانفتاح التركي السوري الجديد قد يعيد تشكيل تحالفات ما بعد “سقوط الأسد”، ويؤسس لتحالف استراتيجي بديل يحل محل التمدد الإيراني والروسي، ويمنح أنقرة اليد الطولى في ملف إعادة الإعمار، وصياغة توازنات ما بعد الحرب.