رغم انخراط المغرب في سياسة هجرة ذات بعد إنساني، ترتكز على قيم التعايش واحترام حقوق الإنسان، فإن الواقع الميداني في بعض مناطق إقليم اشتوكة آيت باها، وتحديدا بجماعتي آيت عميرة وسيدي بيبي، بدأ يفرز تحديات جديدة تعكس تعقيد هذا الملف وتشابك أبعاده.
فمع نهاية الموسم الفلاحي، يسجل ارتفاع ملحوظ في أعداد المهاجرين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، ممن استقروا بشكل مؤقت أو دائم في هذه المناطق بحثا عن لقمة العيش أو الهجرة إلى الجزر الكناري غير أن هذا التزايد، الذي يفترض أن يقرأ ضمن السياق الإنساني الشامل للهجرة، بات يثير قلقا متزايدا في أوساط الساكنة المحلية، خاصة في ظل مؤشرات عن سلوكيات غير قانونية يتهم بعض هؤلاء الوافدين بارتكابها.
وتتمثل أبرز مظاهر الانشغال في حالات اعتراض سبيل المارة، والسرقة بالنشل، وظهور تجمعات سكنية عشوائية داخل الدواوير، لا سيما بدوار “أكرام” ودوار “الكارطون” بآيت عميرة و”تدارات” و “إحشاش” بسيدي بيبي، حيث يتركز عدد كبير من المهاجرين خارج أي تأطير قانوني أو إجتماعي واضح.
المواطنون المحليون يعبرون عن خشيتهم من تحول الوضع إلى معضلة أمنية، خصوصا بعد انتهاء حاجة الضيعات الفلاحية لليد العاملة الموسمية، مما يدفع بعض المهاجرين حسب شهادات محلية للبحث عن مصادر دخل بطرق غير قانونية، وزادت وسائل التواصل، وعلى رأسها تطبيق “واتساب”، من تعقيد الوضع، حيث تستخدم هذه الوسائل لتنظيم تجمعات بسرعة، سواء لأغراض التظاهر أو الضغط، ما قد يفهم أحيانا كخروج عن الأطر القانونية وتهديد للاستقرار العام.
وفي خضم هذه الإشكالات، تبقى فعاليات المجتمع المدني واعية بدقة الوضع، حيث تدعو إلى تنظيم الوجود الأجنبي في المنطقة دون الوقوع في فخ العنصرية أو التمييز، فالمطلب الأساس هو حماية التوازن الإجتماعي، وضمان سلامة جميع الأطراف، من مواطنين ومهاجرين على حد سواء.
وتشدد هذه الفعاليات على ضرورة تدخل السلطات الإقليمية والمحلية بشكل عاجل، من خلال وضع خارطة طريق واضحة، تؤطر إقامة المهاجرين، وتضمن احترام القانون وكرامة الإنسان، وتحافظ في الآن ذاته على السلم والأمن العام، خاصة في المناطق التي تشهد كثافة في تواجد المهاجرين غير النظاميين.
إن التحدي اليوم يمكن في كيفية تحقيق التوازن بين البعد الإنساني الذي يعد ركيزة أساسية في سياسة الهجرة الوطنية، والبعد الأمني الذي لا غنى عنه لضمان استقرار المناطق المعنية، ويتطلب ذلك رؤية شمولية تراعي خصوصية المنطقة وتستحضر تطلعات الساكنة، دون التفريط في القيم الإنسانية التي يتبناها المغرب كخيار استراتيجي.
وختاما، فإن معالجة هذا الملف تفرض التعاطي معه بمسؤولية، عبر مقاربة متعددة الأبعاد، تنطلق من الإنصات لجميع الأطراف، وتهدف إلى بناء نموذج تدبيري للهجرة يحترم الحقوق ويصون الإستقرار.
تعليق واحد