حيث تتقاطع الأضواء، وتحتشد كاميرات الإعلام والقنوات وتتلألأ فساتين السهرة والبدلات السوداء، و يُعلَن عن اسم فائزٍ جديدٍ بجائزةٍ ثقافية أو فنية.
يصفق الجميع، تلمعُ الدموع في المآقي، ويعلو التصفيق، لكن.. خلف الستار، يدور حوارٌ خافت آخر ،هل هذا التتويج نابعٌ حقًا من عبقرية النص أو فرادة الأداء؟ أم أنه، كما في كثير من المشاهد، ليس إلا فصلًا جديدًا من مسرح السياسة المتقنة؟
في هذا المقال، سنسلط ضوء آخر ضوء موازيا عن الجوائز الثقافية والفنية العالمية، تلك التي تُقام لها المحافل و يُسال من أجلها المداد والدموع. نحلل أبعادها الجمالية، ونفكك خيوطها السياسية، ونستعرض عبر أمثلتها البارزة كيف تتأرجح هذه الجوائز بين منبرٍ لتكريم الإبداع ومرآةٍ لعكس مآرب السياسة العالمية .
الجوائز الثقافية والفنية.. قباب المجد الرمزي
منذ بداياتها، كانت الجوائز الثقافية والفنية بمثابة أوسمة شرف تُمنح لأولئك الذين يوسّعون أفق الإنسانية بلغة الجمال. من جائزة نوبل للآداب إلى جائزة الأوسكار، ومن جائزة البوكر إلى السعفة الذهبية في كان، تنوّعت الميادين وتعددت اللغات، لكن ظلت الفكرة الجوهرية واحدة: الاحتفاء بالمتميز.
جائزة نوبل: مجد الأدب.. وشبهات السياسة
حين أسّس ألفرد نوبل جائزته في مطلع القرن العشرين، أراد أن يكفّر عن اختراعه للبارود بمكافأة من يسهم في رقي البشرية. منحت نوبل للآداب لأسماء خالدة مثل غابرييل غارسيا ماركيز، نجيب محفوظ، وألبير كامو.
لكنها، أيضًا، أثارت الجدل مرارًا: كيف يُمنح الجائزة كاتبٌ مغمور نسبيًا بينما يُهمَّش عملاقٌ أدبيّ مثل تولستوي أو خورخي لويس بورخيس؟
يقول الناقد السويدي “بير وينبرغ”: “هناك دوائر لا ترى الأدب بمعزل عن السياق السياسي. هذا طبيعي، لكنه مقلق حين يُستعمل كمعيار نهائي.”
حين تتلون الجوائز بألوان السياسة
التمييز بين الجمالي والسياسي في الجوائز الكبرى أشبه بتمييز البحر عن السماء في لحظة شروق، تداخلٌ وتماهٍ. لكن هناك لحظات يصبح فيها التسييس فجًا، لا لبس فيه.
الأوسكار: هوليوود بين العدسة والإدارة
جائزة الأوسكار، الحلم الأمريكي المتجسد، تُمنح منذ عام 1929، وهي أكثر الجوائز السينمائية شهرة وتأثيرًا. ومع كل عام، ترتفع أصوات تتهم الأكاديمية بأنها تخضع لضغوط سياسية أو توجّهات أيديولوجية.
مثال صارخ: فوز الفيلم الوثائقي “An Inconvenient Truth” (حقيقة مزعجة) لنائب الرئيس الأمريكي الأسبق آل غور عام 2007، أثار تساؤلات: هل فاز الفيلم بسبب قيمته الفنية أم لأنه جزء من حملة توعية بيئية مدعومة حكوميًا في عهد سياسي معيّن؟
مثال آخر: مقاطعة عدد من الفنانين حفل الأوسكار في 2016 تحت شعار OscarsSoWhite احتجاجًا على غياب التنوّع العرقي، أعادت طرح السؤال: هل الجوائز تُمنح بناءً على معايير فنية فقط، أم تُستخدم لتبييض صورة المؤسسة السينمائية في عيون الجمهور؟
الأدب العالمي والجوائز المشروطة
في عالم الأدب، تتجاوز الأمور الإبداع إلى الهويّة واللغة والانتماء السياسي.
جائزة البوكر الدولية: بين الاحتفاء والتنميط
رغم مكانتها الكبيرة، فإن جائزة البوكر كثيرًا ما اتُّهمت بتفضيل أعمال تتوافق مع الرؤية الغربية للأدب “العالمي”. الأعمال التي تتناول قضايا حقوق الإنسان أو تنقد الأنظمة الاستبدادية تجد طريقها أسرع إلى منصات التتويج، بينما يتم تهميش نصوص تُعلي من الحس المحلي أو تخوض في مفاهيم الهوية الثقافية العميقة.
مثالا على ذلك حين فازت الروائية الإيرانية شهرنوش بارسيبور بجائزة أدبية فرعية عن روايتها “نساء بلا رجال”, اعتبر كثير من النقاد أنها نُصِّبت كصوت نسائي “مناسب سياسيًا”، لا بالضرورة الأفضل أدبيًا في لحظته.
وهو ما يتطابق مع ما قاله الناقد الفلسطيني إلياس خوري ،”الغرب لا يريد من الأدب الشرقي إلا ما يثبت صورته عنه. هذا لا يعني أن الكُتّاب عملاء، بل أن الجوائز تحرّكها في الغالب رؤية تفضيليّة للعالم.”
الفن في مواجهة الأجندة
الفنّ البصري أيضًا لم يسلم من التسييس، سواء في المعارض العالمية أو الجوائز الكبرى.
التمثيل الرسمي للدول في معارض كبرى مثل بينالي البندقية يدفع بأسئلة مؤلمة: من يُمثّل الفن الوطني؟ ما حدود الحرية حين يُطلب من الفنان رسم صورة بلده أمام العالم؟ وماهي آلية التقييم التي تعطي الحق لشركة فنية ان تتحكم في منح الجوائز بطريقة غير موضوعية وليست بريئة، من ذلك أن جائزة تيرنر البريطانية، قد منحت في 2019 لأربعة فنانين كمجموعة واحدة احتجاجًا على تصنيفهم ضمن فئات “الأقلية” – خطوة رمزية عالية الدلالة، لكنها أيضًا تشير إلى كيف أصبحت الجوائز تُستخدم كمنصات خطاب، أكثر من كونها تقييمًا مستقلًا للفن.
هل من سبيل إلى جائزة حرة؟
في عالم معولم، تحكمه علاقات القوة، وتُحركه مصالح الشركات العملاقة والدول، يبدو الحلم بجوائز نقيّة من السياسة أشبه بحلم ببحر يبتلع مده وجزره ومع ذلك، فإن هناك محاولات مضيئة من ذلك، جائزة نيبولا للأدب الخيالي العلمي التي تمنحها جمعية كُتّاب الخيال العلمي في أمريكا، تُدار بشفافية، وتصويت أعضائها معروف.
جوائز الأفلام المستقلة (Sundance) في الولايات المتحدة، تحاول منذ نشأتها دعم الأصوات غير المألوفة، بعيدًا عن سطوة الاستوديوهات الكبرى.
لكن حتى هذه الجوائز، في لحظةٍ ما، قد تجد نفسها في قبضة تمويل مشروط أو ضغط سياسي.
الجوائز الثقافية والفنية في العالم العربي.. بين أنساق السلطة وشهقة الحبر
في الأرض الممتدة من المحيط إلى الخليج، حيث يتعانق الشعر مع الرمل، ويُكتَب الإبداع على وقع الاضطرابات والانبعاثات، لا تقلّ الجوائز الثقافية والفنية أهمية عن نظيراتها العالمية، بل إنها في بعض الأحيان تتخذ طابعًا أكثر تعقيدًا، إذ تدخل في نسيجٍ كثيف من المعاني السياسية، والهويّات المتصارعة، والمراكز الرمزية.
جائزة نجيب محفوظ وجائزة الشيخ زايد..
جائزة نجيب محفوظ، التي تمنحها الجامعة الأمريكية بالقاهرة، تعتبر من الجوائز المرموقة التي تسعى لتقديم الأدب العربي للعالم عبر الترجمة.
ما يميزها – ويضعها في مأزق أحيانًا – هو أنها صادرة عن مؤسسة أجنبية داخل دولة عربية، وهو ما يطرح أسئلة حول معايير الاختيار وأفق الترجمة.
جائزة الشيخ زايد للكتاب، بما لها من دعم مادي كبير، أثارت جدلًا مستمرًا حول علاقتها بتوجهات دولة الإمارات الثقافية. هل يتم اختيار الفائزين بناءً على التميّز الفكري وحده؟ أم أن هناك ميلًا لتكريس صورة “الاعتدال الثقافي” الذي تروج له الدولة في المحافل الدولية؟
الكاتب الجزائري واسيني الأعرج رفض ذات مرة دعوة للمشاركة في لجان تحكيم بعض الجوائز العربية، قائلاً: “لا أريد أن أكون شاهد زور على عمل أدبي يُقصى لأن صاحبه يحمل موقفًا لا يُعجب ممولي الجائزة.
الجوائز الشعرية بين تكريم القصيدة وتدجين الصوت
من جائزة أمير الشعراء إلى شاعر المليون، تتأرجح الساحة الشعرية العربية بين الحداثة والتمثيل الشعبي، بين الاحتفاء باللغة وبين تحويلها إلى عرض تلفزيوني مشهديّ.
هذه الجوائز، رغم ما تتيحه من شهرة وانتشار ودعم مالي، تتعرض لانتقادات حادة من مثقفين يرون فيها مساحات “ترويض”، لا تحريض.
حيث يُحتفى بالشعر “الآمن”، بينما يُقصى الشعر المقاوم، أو القلق، أو الحداثي الغريب عن الذوق الرسمي، من ذلك رفض الشاعر السوري أدونيس المشاركة في أي جائزة عربية ترعاها دولة، معتبرًا أن “الأنظمة العربية لا تكرّم الشعر، بل تروضه”.
الجوائز السينمائية والمهرجانات: المهرجان كمنصة سياسية
مهرجان القاهرة السينمائي، مهرجان قرطاج، مهرجان الجونة.. تحولت هذه الفعاليات إلى أكثر من مجرد مناسبات فنية، بل أصبحت واجهات تُجمّل أو تفضح، حسب الزاوية التي يُنظر منها.
الجونة مثلًا، على فخامته وتقنياته العالية، اتُّهم في أكثر من مناسبة بأنه جزء من مشروع “إعادة تشكيل الذوق العام” بما يتوافق مع صورة محددة يروّج لها الإعلام الرسمي والقطاع الخاص المتنفّذ.
في المقابل، قرطاج السينمائي حافظ على نَفَس نضاليّ منذ نشأته، مفتوحًا على القضايا الساخنة و طرح مواضيع من الأطراف والفئات المهمشة، رغم التضييق المالي عليه بتخلي الشركات التمويلية الكبرى المنفذة للاجندات الخارجية عن دورها في دعمه.
الجوائز والقضية الفلسطينية.. بين الاعتراف والتغييب
في خضم الصراع على الأرض والذاكرة، برزت الجوائز الثقافية والفنية كمساحات محتملة للاعتراف بالحق الفلسطيني، أو على النقيض، أدوات لتلميع السردية الإسرائيلية. فالقضية الفلسطينية، بما تحمله من تعقيد رمزي، كثيرًا ما حضرت في الجوائز لا بوصفها موضوعًا أدبيًا فقط، بل كرهان أخلاقي وسياسي.
الجوائز التي دعمت الحق الفلسطيني
جائزة نوبل للسلام (1994): ثلاثية الحيرة
مُنحت الجائزة لكل من ياسر عرفات، إسحق رابين، وشمعون بيريز عقب اتفاق أوسلو. ورغم أنها بدت لحظة تاريخية، إلا أن الفلسطينيين انقسموا حولها:
هل كانت الجائزة اعترافًا بـ”الوجود السياسي الفلسطيني”؟
أم كانت، كما قال الراحل إدوارد سعيد، “تكريسًا لسلام غير عادل، مكافأة على التنازل، لا على الصمود”؟
إدوارد سعيد، بالمناسبة، رفض أن يكون جزءًا من أي احتفاء بأوسلو، وقال ساخرًا: “جائزة نوبل سُلّمت على مذبح الوهم.”
جائزة مهرجان البندقية (2021): اعتراف سينمائي نادر
في فيلم الغريب للمخرج السوري الفلسطيني أمير فخر الدين، الذي يتناول واقع الفلسطينيين في الجولان المحتل، حصل على تقدير خاص ضمن منصة “آفاق”. كان ذلك بمثابة اعتراف نادر بأن الهوية الفلسطينية لا تُختزل في الضفة وغزة فقط.
جائزة “كاترا” الأمريكية (2020): لفيلم فلسطيني ممنوع
الفيلم القصير الهدية للمخرجة الفلسطينية فرح النابلسي فاز بجوائز عديدة، منها جائزة الجمهور في مهرجان كليفلاند، وتم ترشيحه للأوسكار.
رغم أنه مُنع من العرض في بعض المهرجانات الإسرائيلية، إلا أن الجوائز التي نالها عكست تعاطفًا عالميًا مع الواقع الفلسطيني الإنساني.
الجوائز التي أقصت الرواية الفلسطينية.. أو مجّدت نقيضها
جائزة نوبل للآداب: تغييب ممنهج؟
رغم أن أدبًا فلسطينيًا عالميّ المستوى كُتب على يد غسان كنفاني، محمود درويش، إبراهيم نصر الله، وسحر خليفة، لم يُمنح أي كاتب فلسطيني حتى اليوم جائزة نوبل للآداب.
محمود درويش، مثلًا، رُشح مرارًا، لكنه لم يُكرّم، رغم ترجمته إلى أكثر من 30 لغة.
وهو ما يتماهى مع ما قالت صحيفة “لو موند” الفرنسية:
“الخيال الأدبي لا يكفي أحيانًا، لا بد أن تكون من طرف سياسي مناسب.”
جائزة إيمي (2021): جدل مسلسل إسرائيلي
مسلسل فوضى (Fauda) الإسرائيلي، الذي صُوّر في أراضٍ محتلة ويتبنى سردية أمنية إسرائيلية، رُشح لجوائز عالمية كالإيمي. وقد وصفه نقاد فلسطينيون بأنه “عملية تجميل للاحتلال تحت غطاء الدراما.”
كتب الناقد عمر البرغوثي:
“حين تُمنح الجوائز لأعمال تجمّل العنصرية، لا تكون الجائزة فنية، بل شريكة في الجريمة.”
(مجلة الدراسات الفلسطينية، 2022)
المثقفون الذين رفضوا الجوائز تضامنًا مع فلسطين
كين لوتش: السينمائي المقاوم
المخرج البريطاني كين لوتش رفض المشاركة في مهرجان تورنتو (2009) بعد علمه بوجود برنامج لتكريم “تل أبيب” كجزء من الاحتفال.
قال في بيانه:
“لا يمكنني أن أشارك في فعالية تُجمّل جرائم الاحتلال، فلسطين في قلبي.”
روجر ووترز: صوت فرقة بينك فلويد رفض حضور احتفالات جوائز في نيويورك، احتجاجًا على دعم بعض رعاتها للاحتلال الإسرائيلي، وكان من أوائل المؤيدين لحركة BDS (المقاطعة وسحب الاستثمارات).
الجوائز الفلسطينية كفعل مقاوم
في مواجهة الإقصاء، ظهرت مبادرات فلسطينية تمنح جوائزها الخاصة، مثل:
جائزة العودة، التي تُمنح للأعمال التي تسهم في توثيق الذاكرة الفلسطينية.
جائزة القدس للثقافة والإبداع، تكريمًا لمن يحملون القضية في أعمالهم، ولو من المنفى.
الجائزة ليست بريئة
حين تكون فلسطين على المحك، لا تعود الجائزة مسألة جماليات فقط، بل تموضع أخلاقي. فمن منح الفلسطيني حقّ الظهور، فقد اعترف بجزء من الحقيقة. ومن أقصاه، فقد شارك في طمسه.
الجوائز، هنا، تصبح خرائط صغيرة توزّع فيها السلطة مَن يُرى ومَن يُمحى. لكن كما قال درويش:
“على هذه الأرض ما يستحق الحياة.. ما يستحق الحبر.. ما يستحق أن يُكرّم ولو بلا جائزة”.
نحو رؤية نقدية مستقبلية
الحديث عن الجوائز لا يجب أن يتحوّل إلى موقف سوداوي يُنكر فضلها. فهي، رغم كل شيء، وفّرت لمنصات التتويج الأدبي والفني بريقًا مهمًا.
لكن ما نحتاجه اليوم هو رؤية نقدية مستقلة تضع الجوائز في سياقها، وهو أن نحتفي بالفائز، لا أن نؤله الجائزة و نقرأ الأعمال بمعزل عن القوالب الرسمية.
كما أن على المثقف العربي خاصة – سواء كان شاعرًا أو سينمائيًا أو قاصًا – أن يعي العلاقة الملتبسة بين السلطة والإبداع .
حين يرفض المبدع الجائزة..
في عالمٍ يلهث خلف الأضواء، يصبح رفض الجائزة موقفًا نادرًا، استثنائيًا، يتجاوز الإبداع إلى منطقة المسؤولية الأخلاقية.
هنا لا يكون المبدع في موقع التلقي، بل في موقع الرفض، وتصبح الجائزة ـ تلك الأيقونة المتوّهجة ـ عبئًا أو حتى وصمة.
الرفض، إذًا، ليس نكرانًا للتميز، بل صرخة ضد ما تمثله الجائزة سياسيًا أو مؤسساتيًا. وهو ما يُذكّرنا أن الإبداع، في لحظاته الصافية، لا يركع إلا للحرية.
جان بول سارتر: لا لنوبل
في عام 1964، أحدث الفيلسوف والروائي الفرنسي جان بول سارتر زلزالًا رمزيًا حين رفض جائزة نوبل للآداب، قائلاً في بيان رسمي:
“الكاتب لا ينبغي أن يسمح لنفسه بأن يُحوَّل إلى مؤسسة.”
ورأى أن الجائزة – مهما كانت عريقة – قد تُفقد الكاتب استقلاله الفكري، وتُوظّف رمزيًا في صراع الحضارات الذي كانت تعيشه أوروبا حينها، خصوصًا في ظل الحرب الباردة.
كينغسلي أميس: رفض وسام الإمبراطورية
الروائي البريطاني كينغسلي أميس رفض وسام الإمبراطورية البريطانية مرتين، معتبرًا أن الجوائز الحكومية تُستخدم لتبييض صفحة الدولة، وتضفي قداسة زائفة على الأدب.
وقال ساخرًا: “أنا لست بحاجة لميدالية من ملكة لم تقرأ كتابًا في حياتها”.
الكاتبة الإيرانية شيرين عبادي: رفض تمثيل الجائزة للدولة
رغم قبولها جائزة نوبل للسلام عام 2003، إلا أن شيرين عبادي – المحامية والكاتبة الإيرانية – أعلنت لاحقًا رفضها استخدام الجائزة من قبل جهات سياسية غربية لتبرير التدخل في شؤون الشرق الأوسط.
قالت في كتابها:
“نوبل ليست ملكًا لأوسلو، بل هي أمانة في عنقي تجاه المظلومين في بلدي.”
(Shirin Ebadi, Iran Awakening, 2006)
رفض عربي: مواقف قليلة ولكن مشهودة
الرفض العلني للجوائز في العالم العربي قليل، لكن هناك ومضات مشرقة:
الشاعر العراقي مظفر النواب رفض تكريمات حكومية عدّة، وكان يردد: “لا أقبل جائزة تُغسل بها الأنظمة يديها من دم المساكين”.
الكاتب الفلسطيني إبراهيم نصر الله رفض في 2018 جائزة أدبية عربية بعد أن اكتشف تدخلًا سياسيًا في ترشيحه.
قال في مقابلة:
“ليس كل جائزة جائزة، بعض التكريم مجرد محاولة لشراء الصوت.” (الجزيرة الثقافية، 2019)
جمالية الرفض
الرفض، أحيانًا، أكثر جذرية من القبول. إنه لحظة شاعرية عالية، حين يضع المبدع ضميره فوق منصّة التتويج.
في زمن المساومات، يصبح هذا الرفض قصيدةً بحد ذاتها، وفيلمًا قصيرًا ضد الخنوع، ومقالًا مكتوبًا بالحبر الحارق.
ولعلها مفارقة جميلة أن الجائزة التي تُرفض.. قد تضيء أكثر من تلك التي تُقبل.
في نهاية المطاف، نستخلص ان الجوائز لا تصنع القيمة الحقيقية للعمل الفني، بل العكس. فهناك نصوص لم تفز يومًا، لكنها هزّت الوجدان الإنساني من جذوره، وأعمال سينمائية قوبلت بالتجاهل زمن إنتاجها، ثم أصبحت من علامات التاريخ البشري.
المراجع:
إدوارد سعيد – “الثقافة والإمبريالية”، ترجمة كمال أبو ديب، دار الآداب، بيروت، 1997.
إلياس خوري – “الكاتب والسياسة: من المنفى إلى المهرجان”، مجلة الدراسات الفلسطينية، عدد خاص، 2003.
تقرير منظمة العفو الدولية حول جائزة نوبل للسلام، 2010.
مقال: الجوائز الأدبية بين الحياد والتسييس، الكاتب: محمد شعير، مجلة “أخبار الأدب”، القاهرة، عدد 794، 2015.
إبراهيم نصر الله – مداخلة في ندوة “الأدب الفلسطيني والجوائز العالمية”، رابطة الكتاب الأردنيين، عمان، 2018.
أفلام فلسطينية في المهرجانات العالمية، تحقيق منشور في صحيفة “العربي الجديد”، 2020.
جان بول سارتر يرفض نوبل – مقابلة أرشيفية مع صحيفة لوموند، ترجمة منشورة بموقع “رصيف 22″، 2019.
موقع جائزة نوبل الرسمي – www.nobelprize.org (للرجوع إلى بيانات الجوائز).
الموسوعة السياسية للأدب والفن – تحرير: فالح عبد الجبار، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2006.
دراسات حول الغرامي والأوسكار، منشورات جامعة هارفارد للثقافة والنقد الإعلامي، 2017.
مقابلة مع كينغسلي أميس، صحيفة الغارديان، ترجمة نشرت في موقع “المدن”، 2021.
مظفر النواب: الشاعر المتمرد، فيلم وثائقي من إنتاج قناة الجزيرة الوثائقية، 2022.
مقال: الفن والمهرجانات في ظل التطبيع، مجلة الدوحة الثقافية، عدد ديسمبر 2020.