حديث الساعةمجتمع
أخر الأخبار

أيت بوكماز تدق ناقوس المحاسبة.. عندما تُحرّك الكرامة عجلة العدالة المجالية

الانتفاضة النبيلة لساكنة أيت بوكماز: حين يعلو صوت الكرامة على صمت التهميش

الحق يؤخذ ولا يُعطى. تلك كانت القناعة التي حملتها ساكنة أيت بوكماز وهي تصعد جبال الأطلس الكبير، لا للتمرد، بل لتذكير من يعنيهم الأمر بأن الكرامة والعدالة المجالية ليستا مِنّة من أحد، بل حقٌ مشروع تأخر كثيرًا.

في قلب الأطلس الكبير، حيث تعيش آلاف الأسر بين صقيع الشتاء وصمت الإهمال، خرجت ساكنة أيت بوكماز في مسيرة احتجاجية سلمية، عنوانها الكرامة والعدالة المجالية، وهدفها بسيط ومشروع: العيش الكريم.

لم تكن المسيرة استعراضًا سياسياً ولا فورة غضب عابرة، بل تجسيدًا ناضجًا لوعي مدني راقٍ، يطالب بالحق في التنمية، بالحق في الإنترنت، في الطرق، في الطبيب، في الملعب، وفي شروط الحياة البسيطة التي لا ينبغي أن تكون محل تفاوض أو انتظار في مغرب اليوم.

لقد جاء تحرك الساكنة ليكشف هشاشة نموذج التنمية المجالية في العديد من المناطق الجبلية، ويضع أصابع الاتهام، مجددًا، على الحلقة الأضعف في منظومة التدبير الترابي: المنتخبون.

فرغم أن الدولة، برئاسة جلالة الملك محمد السادس نصره الله، تطلق مشاريع كبرى وتضع تصورًا استراتيجيًا متقدما عبر النموذج التنموي الجديد، ورغم أن الوزارات تسطر البرامج وتخصص الميزانيات، يظل التنفيذ رهينًا بنجاعة النخب المحلية والجهوية، التي غالبًا ما تخذل الثقة الممنوحة لها، وتُبقي على الفوارق في خدمة أجندات زبونية وانتخابوية.

في حالة أيت بوكماز، كان الصوت الشعبي أبلغ من أي خطاب، وكان السلوك المدني أقوى من أي لافتة. مشهد الساكنة وهي تقطع كيلومترات طويلة، سلمياً ومنضبطاً، ثم تتوقف حين تستمع الدولة، يعيد الاعتبار لفكرة المواطنة الفاعلة، ويؤسس لمرحلة جديدة عنوانها: لا أحد فوق المساءلة، لا رئيس جماعة ولا رئيس جهة ولا مسؤول ترابي.

إن ما حدث يُظهر أن المغرب العميق، الذي طالما تم توصيفه بـ”المنسي”، لم يعد صامتًا، بل صار يتكلم بلغة الحق والقانون. وأن العدالة المجالية، التي تعتبر من ركائز السياسات العمومية، لم تعد مجرد شعار من فوق، بل مطلب يومي من تحت.

وإذا كانت حملة “الأيادي النظيفة” التي أطلقتها الدولة قد باشرت تنظيف عدة مواقع من رموز الفساد وسوء التسيير، فإن أيت بوكماز اليوم تقدم نفسها كنموذج حي لمجال يُطالب بأن يُنصف، وأن تُحاسَب فيه كل يد قصّرت أو خانت.

من هنا، فإن المسؤولية لم تعد مقتصرة على عامل الإقليم أو وزارة بعينها، بل باتت جماعية: من البرلمان إلى المجالس الجهوية، ورئاسة الجهة من وزارة الداخلية إلى الاقتصاد الرقمي، من الصحة إلى الشباب والرياضة. الجميع معني بإعادة الثقة في مؤسسات الدولة، عبر الوفاء بالوعود، وإشراك المواطنين في تتبع التنفيذ وتقييم الأداء.

الرسالة وصلت، فهل يتلقفها الجميع؟

ما وقع في أيت بوكماز ليس حالة معزولة، بل جرس إنذار حضاري لمغرب يتغير من قاعدته، ويطالب بحقوقه بصوت سلمي، قانوني، وواضح.

ويبقى الرهان على من يملكون القرار والميزانيات أن يكونوا في مستوى اللحظة، بعيدًا عن الحسابات الضيقة، قريبًا من ضمير هذا الوطن.

لأن من لا يخدمون العدالة المجالية، ويُفشلون مشروع الدولة، لا يقلّون خطورة عن الفاسدين.

https://anbaaexpress.ma/hxnve

عثمان بنطالب

ناشط حقوقي دولي خبير في الشأن المغاربي و الإفريقي، مدير عام أنباء إكسبريس

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى