فؤاد يعقوبي
في ظل تنامي الوعي المجتمعي بأهمية الصحة النفسية، وفي وقت تعيش فيه فئات واسعة من المغاربة أزمات نفسية متفاقمة، يواصل وزير الصحة المغربي تجاهل المطالب الملحة بإدماج الأخصائيين النفسيين بشكل فعّال ومباشر ضمن المنظومة الصحية الوطنية.
هذا التقاعس الوزاري، الذي بات مزمناً، يطرح تساؤلات جادة حول ما إذا كانت وزارة الصحة ترى نفسها مسؤولة فقط عن الجسد، متجاهلةً العقل والنفس، في وقت تؤكد فيه المعايير الصحية الحديثة أنّ الصحة النفسية ركيزة أساسية في تحقيق التوازن الصحي الشامل.
رغم تزايد مؤشرات الاضطرابات النفسية، كالاكتئاب والقلق، وارتفاع حالات الانتحار بين جميع الفئات العمرية، ما تزال الرعاية النفسية في المغرب حبيسة عدد محدود من المراكز والمبادرات غير الكافية، ما يحرم ملايين المواطنين من حق أساسي في العلاج والرعاية.
غياب الأخصائيين النفسيين عن المؤسسات الصحية العمومية يشكل اليوم عائقاً رئيسياً أمام تقديم خدمات علاج نفسي مناسبة وفعالة.
وفي ظل الضغوط الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة، فإن الحاجة أصبحت مُلحّة لإدماج هؤلاء المتخصصين في المستشفيات، المراكز الصحية، وحتى المؤسسات التعليمية، بما يعزز قدرة الدولة على التصدي لتبعات الأزمة النفسية الصامتة التي تضرب المجتمع.
من هذا المنبر، أجدّد بصفتي الأمين العام للمنظمة الوطنية للدعم والتمكين النفسي الاجتماعي، الدعوة إلى تحرك حكومي جاد وعاجل لتصحيح هذا الوضع، عبر إطلاق إصلاحات هيكلية تضمن دمج الأخصائيين النفسيين ضمن المنظومة الصحية بشكل مستدام، وإعداد برامج وطنية للتحسيس بأهمية الصحة النفسية، بهدف تجاوز النظرة النمطية التي ما زالت تحيط بهذا الملف الحيوي.
إن مطلبنا ليس رفاهية، بل هو ضرورة قصوى تعكس الحاجة إلى معالجة واقع مرير يزداد تفاقماً، في ظل تزايد معاناة المواطن المغربي بين صمت المؤسسات واستفحال الأعراض.
* حقوقي وإعلامي، خبير في علم النفس الإجتماعي