نائل مناصرة
ماتت نور.
طفلة في غزة، لم يقتلها صاروخ، لم يقتلها رصاص، لم يقتلها البرد،
قتلها الجوع.
نعم… الجوع.
ماتت وهي تنتظر طبق أرز.
ماتت وهي تُخفي يدها خلف ظهرها خجلاً من السؤال.
ماتت ولم يأتها أحد.
لم يطرق بابها صديق، ولا حمل لها العالم رغيفًا.
نور، التي كانت تحلم بأن تصير طبيبة، تُلبس الناس البياض وتخفف عنهم الألم،
أو معلمة ترسم الحروف على سبورةٍ مكسورة وتضحك،
أو عروسًا بغرّة ناعمة ووردٍ في كفّها..
نور، التي كانت احتمالًا لحياة كاملة،
أُغلقت في وجهها أبواب التكيات، كما أُغلقت في وجهها الحياة.
ماتت، ونام فمها فارغًا، وبطنها خاويًا،
لكن قلبها ظل يرفرف حتى لحظتها الأخيرة، يبحث عن دفء… عن ملعقة… عن “أحد”.
يا سادة، ليست المأساة في موت نور.
المأساة أننا سننسى.
سنمر عن الخبر كأنه عابر، كأنها ليست بنتًا كنا نعرفها.
وسنواصل صمتنا الذي صار جريمة.
ماتت نور، ومات معها كتابٌ لم يُفتح،
وصوت لم يضحك،
وثوب زفاف لم يُخاط.
هل سمعتم عن أم تُعد لابنتها كفنًا بدل أن تُجهّز لها حقيبة المدرسة؟
هل رأيتم طفلة تموت من الجوع في القرن الحادي والعشرين، أمام كاميرات العالم، ثم لا يحدث شيء؟
لا استقالة. لا شجب. لا دمعة واحدة صادقة من أحد.
نور لم تكن ضحية.
نور كانت دليل إدانة.
كانت شهيدة الخبز،
وشاهدة على هذا العالم حين سقط عن كُلّ قِيمِه.
يا نور…
ما عاد عندي ما أكتبه.
أخجل منك…
وأخجل من لغتي…
وأخجل من الخبز حين آكله الآن، وأعرف أن فمك ظل مفتوحًا ولم يصله شيء.
* صحفي وكاتب من رام الله مهتم بالشأن الإنساني في غزة