حمزة الحمداوي
مع اقتراب موعد تنظيم نهائيات كأس العالم 2030 بشراكة بين المغرب، إسبانيا والبرتغال، بدأت ملامح سباق سياسي داخلي تتبلور في الساحة المغربية، حيث يسارع عدد من الأمناء العامين للأحزاب السياسية ـ من الأغلبية والمعارضة ـ إلى تقديم أنفسهم كـ”قادة محتملين لحكومة المونديال”.
غير أن هذا التهافت، الذي يبدو في ظاهره سياسيا مشروعا، يخفي في عمقه فجوة كبيرة بين الطموح السياسي والوعي الاقتصادي الحقيقي بحجم التحديات التي تنتظر البلاد خلال السنوات الخمس المقبلة.
من خلال تتبع التصريحات الأخيرة، يمكن ملاحظة تسابق حزبي مبكر على شرعية قيادة المرحلة المقبلة. بعض الأمناء العامين تحدثوا صراحة عن “ضرورة حكومة قوية لقيادة المونديال”، بينما آخرون ضمن المعارضة لمحوا إلى كونهم “الخيار الواقعي للمرحلة”، في ظل ما اعتبروه ضعف الأداء الحكومي الحالي.
ورغم أن الديمقراطية تتيح لكل فاعل سياسي الحق في الطموح، إلا أن التسابق نحو الحكومة على قاعدة التظاهرة الرياضية الكبرى، دون تقديم رؤى اقتصادية واجتماعية موازية، يكشف عن استخدام سياسي لحدث وطني جامع، يفترض أن يظل بعيدا عن الاستغلال الحزبي الضيق.
فالرهان اليوم لم يعد فقط على من سيقود الحكومة، بل على من يمتلك الرؤية، والقدرة، والوعي الكامل بالتبعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لتنظيم كأس العالم.
بحسب تقرير بنك المغرب لسنة 2024، بلغ الدين العمومي العام ما يفوق 70% من الناتج الداخلي الخام، بينما يعاني الاقتصاد الوطني من تباطؤ النمو (أقل من 3%)، وتآكل القدرة الشرائية، وتزايد معدلات البطالة في صفوف الشباب والنساء.
ومع دخول المغرب مرحلة الاستعداد لتنظيم كأس العالم، فإن التقديرات تشير إلى أن حجم الإنفاق المرتقب سيتجاوز 60 مليار درهم (6 مليار دولار) موزعة بين البنيات التحتية، والاستعدادات اللوجستية، والتكاليف التنظيمية والأمنية.
فإذا لم يتم تدبير هذه الميزانيات بعقلانية واستباقية، فإن البلاد قد تجد نفسها أمام فجوة مالية تهدد التوازنات الماكرو-اقتصادية، تماما كما حصل في تجارب دولية سابقة مثل البرازيل التي دفعت ثمنا اجتماعيا باهظا نتيجة تركيز الاستثمارات في المونديال بدل القطاعات الاجتماعية، أو جنوب إفريقيا التي عانت من عبء الديون بعد انتهاء البطولة، أو حتى اليونان التي سرعت من إفلاسها بسبب الإنفاق الكبير على أولمبياد 2004.
رغم حساسية المرحلة، فإن البرامج المعلنة حتى الآن تفتقر إلى دراسات جدوى شاملة حول استدامة المشاريع بعد المونديال، ونماذج واضحة للتمويل، وضمانات للشفافية، وتصور لإدماج الكفاءات المحلية وتشغيل الشباب.
فمن يقترح حكومة مونديالية يجب أن يكون لديه تصور شامل حول ما بعد البطولة: كيف يمكن استثمار هذه البنيات في خدمة الاقتصاد المحلي؟ كيف يمكن أن تخلق فرص عمل دائمة؟ وما مدى تأثيرها على التنمية الجهوية وتقليص الفوارق؟ حتى اللحظة، لا يبدو أن هناك حزبا سياسيا، سواء من الأغلبية أو المعارضة، قد قدم برنامجا اقتصاديا واجتماعيا مفصلا خاصا بفترة الإعداد للمونديال، باستثناء بعض التصريحات العامة التي تفتقر إلى عمق التحليل.
التحديات التي تنتظر المغرب لا تقتصر فقط على تمويل المشاريع، بل تمتد إلى كيفية توزيعها على الجهات بشكل عادل، وضمان استفادة المناطق الهشة، وخلق دينامية تشغيل واسعة، واستدامة البنيات بعد المونديال، والأهم من ذلك: الشفافية والمحاسبة.
في المقابل، لا تزال الخطابات الحزبية تدور في حلقة مغلقة من الوعود الفضفاضة، دون مرافقة بأرقام دقيقة أو مقاربات استباقية، وهو ما يعمق القلق من أن تتحول هذه الفرصة الوطنية إلى مناسبة أخرى لتمرير مشاريع دون أثر حقيقي على التنمية.
إن المطلوب اليوم ليس فقط من سيقود الحكومة، بل من يمتلك رؤية اقتصادية وطنية، وفهما دقيقا للرهانات، وشجاعة سياسية تتجاوز الحسابات الانتخابوية الضيقة.
المطلوب هو حكومة برؤية استراتيجية، تضم خبراء في المالية والاقتصاد، وتؤمن بالحكامة الجيدة، وتشرك المجتمع المدني والجامعات في صياغة ومراقبة المشاريع، وتضع على رأس أولوياتها العدالة المجالية والتنمية المستدامة.
من دون ذلك، فإن كل ما يقال الآن من تصريحات سياسية لن يتجاوز كونه جزءا من ضجيج الحملة السابقة لأوانها.
مونديال 2030 يمكن أن يكون رافعة اقتصادية وسياحية وتنموية غير مسبوقة في تاريخ المغرب، لكن فقط إذا تم تدبيره بعقلانية، وبحكامة رشيدة، ووعي سياسي متزن.
أما إذا ترك رهينة الهاشتاغات السياسية والشعبوية الانتخابية، فقد يتحول من فرصة وطنية إلى فخ اقتصادي يعيدنا سنوات إلى الوراء.
إن قيادة حكومة المونديال لا يجب أن تكون شرفا رمزيا، بل مسؤولية تاريخية تتطلب كفاءات حقيقية، وقبل كل شيء، رؤية بعيدة المدى تتجاوز الملاعب نحو مستقبل كل مواطن مغربي.
* أستاذ جامعي
تعليق واحد