آراءمجتمع
أخر الأخبار

كتب التنمية الذاتية.. بين الحقيقة والوهم

هنا يُثار تساؤل: لماذا قلّ التأليف في المجالات الأدبية، والفلسفية، والعلمية، والفكرية عمومًا؟

عبدالله فضول

في ظل مجتمع لا يقرأ ولا يُولي المعرفة اهتمامًا، وفي زمنٍ تتسارع فيه وتيرة الحياة وتزداد فيه الضغوط النفسية والاجتماعية، نجد إقبالًا كبيرًا على كتب التنمية الذاتية التي تملأ رفوف المكتبات بكثافة، وقد أصبحت السلعة الأكثر رواجًا في السوق، تلقى صدى واسعًا في نفوس من ينشدون المال والجاه والسطوة والطموح السريع.

هذا الإقبال اللافت يفتح الباب لتساؤلات أعمق حول موقع الفكر الجاد في زمن تغلب فيه السهولة على العمق، والطلب الجماهيري على القيمة المعرفية.

عادةً ما يُقبل الكثيرون على هذه الكتب، فتُصبح نافذة يُظن أنها تقود نحو فهم الذات وتحقيق التغيير، لكن الواقع يكشف أن كثيرًا منها يُروّج للأوهام أكثر مما يُقدّم حلولًا عملية.

هنا يُثار تساؤل: لماذا قلّ التأليف في المجالات الأدبية، والفلسفية، والعلمية، والفكرية عمومًا؟ هل لأن الطلب الجماهيري بات موجّهًا نحو ما هو سهل وسريع التأثير، ككتب التنمية الذاتية؟

أم لأن الكتابة في هذه الحقول تتطلب جهدًا معرفيًا عميقًا لا يلقى التقدير أو الدعم الكافي؟ أم أن الأمر يتعلق بتحولات ثقافية واقتصادية جعلت من الفكر الجاد سلعة غير مربحة في سوق النشر؟

كل الأجوبة تبقى احتمالات مشروعة، ويمكن النظر إليها على أنها انعكاسات لحالة ثقافية مركّبة لا يمكن اختزالها في سبب واحد، ولكن ما هو مهم أن ندرك أن غياب التأليف الجاد يُفضي إلى فراغ معرفي، ويُضعف مناعة المجتمع الفكرية أمام السطحية والابتذال.

وبما أن كتب التنمية الذاتية تحاول أن يتأثر القراء بها، ويسلكون الطريق الذي ترسمه من أجل إحداث التغيير في حياتهم، فنحن في الحقيقة لا نملك إحصاءات دقيقة أو أرقام موثوقة عن مدى تأثير هذه الكتب فعليًا، لنعرف ما إذا كانت تُحدث تغييرًا حقيقيًا في سلوك الأفراد، أم أنها مجرد دفعة مؤقتة من الحماس سرعان ما تخبو.

ولكن رغم ذلك، ينبغي أن نشدّد على أهمية الفكر، والوعي النقدي، والعمق المعرفي في بناء الإنسان، فمهما كان الإقبال على الكتب ذات الطابع التحفيزي، يبقى للفكر الجاد دوره الأساسي في ترسيخ القيم، وتوسيع الأفق، ومواجهة التحديات بأسس عقلانية لا شعارات عابرة.

ينبغي أن نفهم هذه الظاهرة الثقافية التي منحت الكتاب، كشكل رمزي، بريقه الخاص، ورفعت من قيمته، وحمته من الاندثار في زمن الصورة والسطحية.

لكن هذا البريق لا يكفي وحده، فالمحتوى هو ما يمنح الكتاب شرعيته الفكرية، ويُعيد له دوره الحقيقي في بناء الوعي، لا مجرد تسويق الوهم أو تغليف الطموح السريع.

* كاتب وقاص للقصة القصيرة جدا

https://anbaaexpress.ma/x4rsr

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى