أحمد متراق
غالبا ما تتميز خطب العرش من حيث الشكل عن غيرها من الخطب بكونها تأتي كفرصة ملكية لعرض حصيلة العمل ونتائج الاستراتيجيات الماضية من جهة، وبسط الخطوط العريضة والتوجهات الكبرى للسياسات العمومية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والأمني في المستقبل من جهة أخرى.
وهو التقليد الذي لم يخرج عنه خطاب اليوم، حيث قدم جلالته خلال الفقرة الأولى من الخطاب عرضا عن المسار الذي يمضي فيه المغرب اقتصاديا والذي تمكن بفضله من الحفاظ على نسب نمو مستقرة بالرغم من إكراهات توالي سنوات الجفاف والأزمات الدولية، وتطرق أيضا لقطاع الصناعة باعتباره قطاعا اقتصاديا واعدا حقق فيه المغرب خلال العشر سنوات الماضية تطورا كبيرا مكنه من مضاعفة صادراته الصناعية.
في الفقرة الثانية ركز جلالته على العناصر الأساسية لقوة الاقتصاد المغربي الواعد وحددها في ثلاث عناصر كبرى:
– عنصر أول مرتبط بالتطور الملحوظ للمغرب على مستوى الصناعات الحديثة والمتطورة الأكثر استهلاكا وطلبا في العالم وهي: قطاعات الطيران وصناعة السيارات والطاقات المتجددة، والسياحة والصناعات الغذائية،.
– العنصر الثاني مرتبط بتنويع الشركاء وعدم التركيز أو الاعتماد على شريك اقتصادي واحد في المبادلات التجارية.
-العنصر الثالث حدده جلالته في البنية التحتية المتطورة والتي شيدت ويتن صيانتها وتتبعها وفق معايير عالمية، وأعطى مثالا لذلك بالقطار فائق السرعة الذي أطلق المغرب أشغال تمديد خطه ليربط مراكش بالقنيطرة.
الفقرة الثالثة من الخطاب خصصها جلالته للحديث عن العنصر البشري وتأثير تلك الأوراش التنموية والمشاريع الكبرى على حياة الأفراد بشكل مباشر، حيث أكد الملك أنه لن يكون راضيا إن لم تنعكس هذه النهضة التنموية على المستوى الاجتماعي والمعيشي للمواطنين وحقهم الأساسي في توفير ظروف العيش الكريم، علما أن المغرب استطاع دخول فئة الدول ذات التنمية البشرية العالية بعد تحقيق نتائج إيجابية خفضت معدل الفقر من نسبة 11.9 سنة 2014 إلى 6.8 سنة 2024.
الفقرة الرابعة من الخطاب حملت الخطوط العريضة للاستراتيجية المستقبلية في التعامل مع التفاوتات المجالية وتدارك الفوارق الاجتماعية في هذا السياق، حيث دعى جلالته لتجاوز المقاربات التقليدية في التعامل مع موضوع التنمية الاجتماعية إلى مقاربات حديثة ومندمجة تركز على الخصوصية المحلية لكل منطقة كأساس للانطلاق.
الفقرة الخامسة تحدث فيها الملك عن الانتخابات التشريعية المقبلة وأعطى توجيهاته السامية لوزير الداخلية للتحضير المسبق للعملية كي تمر في ظروف ديمقراطية.
الفقرة السادسة كانت مرتبطة بالجانب الديبلوماسي والسياسة الخارجية للمملكة، تحدث فيها جلالته عن العلاقة مع الجارة الجزائر حيث جدد دعوته بصفته ملك المغرب لحكام بالجزائر للجلوس في طاولة الحوار وتجاوز كل الخلافات في أفق بناء تحالف مغرب عربي قوي يضم كل الدول المغاربية.
كما شكر جلالته بريطانيا والبرتغال على موقفهما الأخير الداعم لسيادة المغرب على الصحراء.
الفقرة الأخيرة جاءت كرسالة إشادة وتقدير من جلالتها لكل أفراد القوات المسلحة والقوات العمومية بمختلف تلاوينيها، في إشارة واضحة للدعم الذي تحظي بها هذه المؤسسات من قائدها الأعلى ورئيس الدولة في مواجهة كل الحملات المغرضة التي تستهدفها إعلاميا وخارجيا.
* باحث في العلوم السياسية