آراءالشرق الأوسطمجتمع
أخر الأخبار

عندما يتغير شكل الموت.. ويصبح الخبز أكثر فتكًا من القذيفة

لقد دخلت غزة مرحلة اللاعودة

 نائل مناصرة

في بداية الحرب، كنّا نعدُّ الشهداء. نخصّ منهم الأطفال، نحصيهم كمن يحاول إيقاف المجزرة بالدموع. نكتب: “استُشهد 90، بينهم 35 طفلًا”.

ثم تغيّر شكل الموت.

في المرحلة الثانية، صرنا نكتب: “بين الشهداء من كانوا ينتظرون شاحنات المساعدات”، وكأنّ انتظار لقمة خبز بات جريمةً يعاقَب عليها بالغارة.

واليوم؟
اليوم لم يعد القتل ينتظر قذيفة.
لم تعد الشهادة تأتي بصوت الطائرات.
اليوم يموت الناس من الجوع.

هكذا.. بصمتٍ ثقيل، داخل خيام مهترئة، وعلى أرصفة المخيمات، في أحضان أمهات لا تملكن سوى الدموع.

“استُشهد 62 فلسطينيا.. بينهم 12 طفلًا.. و7 بسبب الجوع”.

تخيّل أن نكتب هذا في بيان رسمي.
أن يصبح الجوع بندًا ثابتًا في نشرة الشهداء.

لقد دخلت غزة مرحلة اللاعودة.

لم تعد تحارب فحسب، بل تُستنزف، تُجَوَّع، تُطفأ ببطء، كشمعة في غرفةٍ مغلقة.

المعابر مغلقة، الخبز مفقود، الماء شحيح، الحليب حلم.
والعالم يتفرّج.. يدوّن ملاحظاته.. ويشجب بصوتٍ خافت لا يوقظ جائعًا.

أيّ زمنٍ هذا، الذي نموت فيه من فرط الانتظار؟
أيّ زمنٍ هذا، حين يصير الأطفال أرقامًا، والجوع سببًا للشهادة، والسكوت تواطؤًا مقنّعًا؟

في غزة لا أحد ينجو.. لا من القصف، ولا من الجوع، ولا من الصمت.

فمن سيكتب عن الذين ماتوا وهم يبحثون عن الطحين؟
عن الذين أغمضوا أعينهم جوعًا.. لا رعبًا؟

ومن سيقول للعالم: “هنا، في هذا الركن المنسي من الأرض، تُدفن الإنسانية كلّ يوم، بلا ضجيج”؟

نحن لا نطلب معجزة.

نطلب فقط أن لا يموت الناس جوعًا في القرن الحادي والعشرين.

أن لا يكون الخبز أمنية، وأن لا تكون لقمة العيش جريمة.

غزة لا تموت فقط، بل تُذبح على مهل.
ولن يغفر لنا التاريخ هذا الصمت.

* صحفي وكاتب من رام الله مهتم بالشأن الإنساني في غزة

https://anbaaexpress.ma/o1uhm

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى