في بيان شديد اللهجة، عبّرت منظمة شعاع لحقوق الإنسان عن بالغ قلقها إزاء ما وصفته بـ”الانتهاك الصارخ للعدالة” خلال أطوار محاكمة ثلاثة مترشحين سابقين للانتخابات الرئاسية الجزائرية، ويتعلق الأمر بكل من سعيدة نغزة، سيدة الأعمال ورئيسة الكنفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية، وبلقاسم ساحلي، رئيس حزب التحالف الوطني الجمهوري، وعبد الحكيم حمادي، الطبيب وصاحب شركة مختصة في الصناعات الصيدلانية.
وقد أدين هؤلاء بأربع سنوات حبسًا نافذًا مع الإيداع من الجلسة، إضافة إلى غرامة مالية قدرها مليون دينار جزائري لكل منهم، وذلك خلال جلسة الاستئناف المنعقدة في 9 يوليو 2025، بعد أن سبق الحكم عليهم ابتدائيًا بعشر سنوات سجن.
المتهمون الثلاثة توبعوا في إطار تهم تتعلق بمزايا غير مستحقة وتحريض موظفين عموميين، فضلًا عن تقديم وعود مادية مقابل دعم انتخابي، وذلك استنادًا إلى مواد من قانون مكافحة الفساد والقانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات.
غير أن منظمة شعاع تؤكد أن المحاكمة شابتها خروقات إجرائية وانتهاكات جسيمة تقوض مبدأ المحاكمة العادلة، حيث أشارت إلى أن إصدار أوامر بالتحفظ على المتهمين تم داخل الجلسة بشكل مفاجئ، بينما كانوا في حالة سراح، بل وقبل دخول هيئة المحكمة إلى قاعة المداولة، ما يُعد مسًّا خطيرًا بمبدأ استقلال القضاء وسلامة المداولات.
الأخطر، بحسب المنظمة، تمثل في تسريب مسبق لمضمون الحكم من قبل رئيسة الجلسة، في خرق فاضح لمبدأ التداول الجماعي المنصوص عليه قانونًا، الأمر الذي يطعن في شرعية الحكم الصادر ويثير تساؤلات جوهرية حول نزاهة الهيئة القضائية.
ولم تغفل المنظمة الإشارة إلى التصريحات التي صدرت عن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بتاريخ 13 أبريل 2025، حين قال: “من اشترى التوقيعات سيُعاقب، والعقوبة ستكون عشر سنوات”، وهو تصريح يتماهى نصًا ومعنى مع الحكم الابتدائي، في سابقة تثير الريبة حول استقلالية المسار القضائي ومبدأ الفصل بين السلطات.
المنظمة أكدت أن القضية تندرج ضمن مسار أوسع من التضييق الممنهج على الحق في الترشح للانتخابات والمعارضة السلمية، مشيرة إلى أن ما لا يقل عن ثمانين شخصًا تمت متابعتهم على خلفية محاولات الترشح أو دعمها، من بينهم رجال أعمال ومنتخبون ونقابيون، وصدرت في حق أغلبهم أحكام بالحبس تتراوح بين ثلاث سنوات وثمانية عشر شهرًا.
كما وثّقت المنظمة حملات اعتقال شملت معارضين ونشطاء في مختلف أنحاء البلاد خلال الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية ليوم 7 سبتمبر 2024، بسبب آرائهم أو مواقفهم السياسية، في مناخ تميز باستعمال مفرط للوسائل الحكومية والموارد الإدارية لصالح حملة الرئيس تبون، في إخلال واضح بمبدأ حياد الإدارة.
وفي ضوء ما سبق، دعت منظمة شعاع إلى فتح تحقيق مستقل وجاد حول هذه المحاكمة، والتأثيرات السياسية التي شابتها، مؤكدة أن العدالة لا يمكن أن تُبنى على الإقصاء أو الانتقام، وإنما على احترام القانون وضمان الحريات الأساسية.
كما طالبت بوضع حد لاستعمال القضاء كأداة لتصفية الحسابات السياسية، داعية السلطات الجزائرية إلى احترام الدستور والتزاماتها الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان والعدالة النزيهة.
المنظمة ختمت بيانها بالتأكيد على أن أي مساس بمبدأ استقلال القضاء لا يضرب فقط شرعية المؤسسات، بل يهدد أيضًا ثقة المواطن في الدولة ومشروعها الديمقراطي.