تشهد منطقة الساحل الإفريقي تمددًا روسيًا متسارعًا، مدفوعًا بانسحاب تدريجي لقوى غربية أبرزها فرنسا والولايات المتحدة.
وقد سلط تقرير لمجلة “منبر الدفاع الإفريقي”، التابعة للقيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا (أفريكوم)، الضوء على هذا التوسع الذي يبدأ من الأراضي السورية، مرورًا بليبيا، وصولًا إلى عمق القارة الإفريقية.
وبحسب التقرير، بدأت موسكو منذ أواخر عام 2024 بإعادة تموضع استراتيجي بعد تراجع نفوذها في سوريا، متخذة من شرق ليبيا نقطة انطلاق جديدة. فقد أعادت روسيا نشر معدات عسكرية ثقيلة في قاعدة “الخادم” الجوية شرق بنغازي، التي تحولت إلى منصة متقدمة لتخزين الأسلحة وتهريب الموارد إلى مالي وبوركينا فاسو.
كما أطلقت موسكو جسرًا جويًا يربط بين قواعدها في سوريا وليبيا، حيث رُصدت طائرات شحن روسية عملاقة من طراز “أنتونوف-124” تقلع من الأراضي السورية وتتجه نحو شرق ليبيا، ومن ثم إلى باماكو وواغادوغو.
ورغم عدم وضوح محتويات هذه الشحنات، فإن حجم الطائرات يشير إلى احتمالية نقل منظومات دفاع جوي ومدرعات ثقيلة، ما يُعزز الأنظمة العسكرية القائمة في عدد من دول الساحل.
وفي هذا السياق، كشفت صحيفة “لوموند” الفرنسية عن توثيقها لثماني رحلات جوية بين سوريا وليبيا خلال شهري ديسمبر 2024 ويناير 2025، بينما بثت منصات روسية شبه عسكرية مقاطع مصورة لمعدات تحمل شعارات تدل على الامتداد الروسي المتصاعد من الشرق الأوسط إلى إفريقيا.
وتعزز موسكو علاقاتها مع أطراف فاعلة في ليبيا، خاصة في شرق البلاد، دون أن تغلق قنواتها مع الغرب الليبي أو جيرانها الإقليميين مثل الجزائر وتونس. كما نقلت وكالة “نوفا” الإيطالية أن روسيا أعادت تأهيل قاعدة “معطن السارة” المهجورة قرب الحدود مع السودان وتشاد، في مؤشر على رغبتها بالوصول إلى المناطق غير الساحلية.
وبالتوازي مع تحركاتها العسكرية، تستخدم موسكو أدوات غير تقليدية لتثبيت نفوذها، من ضمنها الشركات الأمنية الخاصة، في ظل تراجع ثقة شعوب إفريقيا بحلفائها الغربيين التقليديين. ومع غياب استراتيجية موحدة من واشنطن وبروكسل، تبدو موسكو اليوم أكثر قدرة على بناء تحالفات جديدة وتوسيع رقعة نفوذها.
التحرك الروسي – حسب مراقبين- في الساحل الإفريقي ليس مجرد ملء فراغ جغرافي، بل هو عملية هندسة جيوسياسية شاملة لإعادة التمركز والنفوذ، مستفيدة من هشاشة الأنظمة الأمنية، وتآكل النفوذ الغربي.
في هذا السياق، تتحول ليبيا إلى عقدة استراتيجية جديدة في مشروع روسي طويل الأمد، يمتد من البحر المتوسط حتى قلب إفريقيا، وسط تصاعد تحذيرات من تداعيات هذه المعادلة على الأمن الإقليمي والدولي.