سياسةعاجل
أخر الأخبار

رصاص جزائري بعد نداء السلام المغربي.. هل باتت لغة الدم هي الرد الرسمي على مبادرات حسن الجوار؟

الرد الجزائري، الذي اتخذ شكلا عسكريا مميتا، لا يمكن قراءته خارج سياقه السياسي المتوتر، فهو يأتي بمثابة رد ميداني حاد على خطاب ملكي هادئ ومنفتح..

في لحظة رمزية كان يفترض أن تعزز جسور الثقة بين المغرب والجزائر، اختار النظام العسكري الجزائري أن يصدم الرأي العام مجددا بمشهد دموي يعكس مدى عمق العداء المستحكم في مؤسساته تجاه كل مقاربة سلمية قادمة من الرباط.

فبعد أقل من 24 ساعة فقط على الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش، الذي جدد فيه جلالة الملك محمد السادس دعوته الصادقة إلى فتح صفحة جديدة مع الجزائر قائمة على الاحترام المتبادل والحوار المسؤول، أقدمت البحرية الجزائرية على فتح النار صوب زورق للهجرة غير النظامية كان قد انطلق من شاطئ السعيدية، مما أسفر عن مقتل شاب مغربي على الفور، بينما نجا بقية الركاب وتمكنوا من الوصول إلى السواحل الإسبانية.

الحادث، الذي وقع في عرض البحر خارج المياه الإقليمية الجزائرية، يكشف مجددا عن نمط متكرر من السلوك العدائي غير المبرر ضد المدنيين العزل.

وحسب المعطيات المتوفرة، فقد انطلق القارب في حدود العاشرة من صباح أمس، حاملا أزيد من خمسين شابا مغربيا في محاولة للعبور نحو الضفة الأخرى، لكن البحرية الجزائرية لم تكتف برصدهم، بل لاحقت الزورق وأطلقت عليه الرصاص الحي دون إنذار، مما أدى إلى مقتل أحد المهاجرين، في ما يعتبر جريمة تندرج ضمن التجاوزات الممنهجة التي مارستها القوات الجزائرية مرارا في حق المدنيين المغاربة، سواء في عرض البحر أو على الحدود البرية.

الرد الجزائري، الذي اتخذ شكلا عسكريا مميتا، لا يمكن قراءته خارج سياقه السياسي المتوتر، فهو يأتي بمثابة رد ميداني حاد على خطاب ملكي هادئ ومنفتح، في مفارقة صادمة تضع صانع القرار في الجزائر أمام اختبار أخلاقي وقانوني عسير.. هل ترفض الجزائر اليد المغربية الممدودة إلى الأبد؟ وهل أصبح خيار التصعيد الدموي هو لغة الدولة الرسمية بدل الدبلوماسية والمقاربة الإنسانية؟

الوقائع الميدانية لا تترك مجالًا للبس،  النظام الجزائري لا يبدو مستعدًا للانفكاك من ذهنية المواجهة والصراع التي شكلت حجر الزاوية في عقيدته السياسية منذ عقود، رغم المتغيرات الجيوسياسية المتسارعة التي تدعو إلى تغليب منطق التكامل المغاربي، خصوصا في ظل التحديات الإقليمية المشتركة مثل الأمن، الهجرة، الطاقة، والمخاطر العابرة للحدود.

ما يثير القلق أكثر هو أن الحادث ليس معزولا، بل يأتي امتدادًا لسلسلة من الاعتداءات الممنهجة، كان آخرها مقتل شبان مغاربة على الحدود في ظروف غامضة، أو اختطافهم وتعذيبهم من طرف جهات محسوبة على المؤسسة العسكرية الجزائرية، دون أن تقدم السلطات الجزائرية أي اعتذار أو تفسير رسمي، وكأن الدم المغربي لا يساوي شيئا في ميزان العلاقات الثنائية.

أما على المستوى القانوني، فإن استهداف مدنيين خارج المياه الإقليمية للجزائر، وبدون إنذار أو تهديد مباشر للأمن القومي، يمثل خرقا واضحا لأبسط قواعد القانون الدولي، ولا سيما اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، التي تحظر استخدام القوة ضد أهداف غير مسلحة في المناطق البحرية المشتركة، وتلزم الدول بمعاملة المهاجرين غير النظاميين وفقا لمبادئ الحماية الإنسانية وليس بمنطق العقاب أو التصفية الجسدية.

ما جرى يعكس فشلا ذريعا للنظام العسكري الجزائري في التحول نحو دولة مؤسسات مسؤولة، تختار الحوار بدل العنف، والتعايش بدل العداء..

فبدل أن تنخرط الجزائر في دعم جهود حل أزمة الهجرة غير النظامية، باعتبارها ظاهرة إقليمية تحتاج إلى تنسيق متعدد الأطراف، اختارت من جديد أن ترسل رسالة رصاص إلى كل يد مغربية ممدودة، متحدية بذلك أبسط المبادئ الأخلاقية والإنسانية، ومصرّة على الإبقاء على مناخ التوتر قائمًا، وكأنها تخشى أن يؤدي الاستقرار إلى تفكيك بنيتها السلطوية الداخلية.

في المحصلة، إن حادثة مقتل شاب مغربي برصاص البحرية الجزائرية لا ينبغي أن تمر مرور الكرام، لا سياسيا ولا إعلاميا، فالمسألة لا تتعلق فقط بجريمة في عرض البحر، بل بنهج سلطوي مستمر يؤكد أن الجارة الشرقية تفضل منطق العسكرة على منطق المصالحة.

أما المغرب، فسيظل وفيا لمبادئه، متمسكا بدعوة السلام، دون أن يفرط في دماء أبنائه، ولا في كرامة حدوده، البحرية أو البرية.

https://anbaaexpress.ma/to6w9

عبد الحي كريط

باحث وكاتب مغربي، مهتم بالشأن الإسباني، مدير نشر أنباء إكسبريس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى