إعداد وتحرير: عماد بالشيخ – صحفي ومحلل سياسي
بداية، نرحب بكم في هذا اللقاء الخاص. كيف تقدمون أنفسكم للقارئ التونسي والعربي؟ وما هي خلفيتكم المهنية والحقوقية؟
عبدالوارث عبد الخالق: السلام عليكم ورحمة الله، أنا أخوكم عبدالوارث عبد الخالق التركستاني. منذ عام 2006، ونحن في مدينة إسطنبول نعمل في المجال الإعلامي والحقوقي، حيث نركز على نقل ما يحدث في تركستان الشرقية من انتهاكات وتعريف هذه القضية للعالم العربي والإسلامي بشكل خاص، وللعالم عامة.
أرأس حاليًا “جمعية تركستان الشرقية للصحافة والإعلام”، بالإضافة إلى “وكالة أنباء تركستان الشرقية” التي تبث محتواها بعدة لغات: العربية، الإنجليزية، التركية، التركمانية، والإندونيسية.
كما نعمل عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي في خدمة القضايا الإسلامية عامة، وعلى رأسها القضيتان الفلسطينية والتركستانية.
تمرّ اليوم ذكرى مجزرة أورومتشي التي وقعت في 5 يوليو 2009، والتي تُعدّ محطة مفصلية في تاريخ الإيغور المعاصر. كيف تروون لنا ما جرى في تلك الليلة الدامية؟
الحقيقة أن القضية تعود إلى خلفيات أعمق بكثير. فمنذ احتلال الصين لتركستان الشرقية عام 1949، لم يتوقف القمع. فحتى قبل عام 2009، كان يتم أخذ الشبان والشابات إلى داخل الصين للعمل القسري في المصانع، بأجور زهيدة جدًا. ومن ضمن السياسات الصينية كانت محاولات التطهير العرقي.
في إحدى الحوادث، هاجم صينيون متسلّحون بالعصي والهراوات الحديدية تلك المصانع، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف العمال التركستانيين. حاول الأهالي التواصل مع السلطات الصينية، ولكن دون جدوى.
وعندما خرج الأهالي في 5 يوليو إلى مبنى الحكومة في أورومتشي للمطالبة بالعدالة، جاء الردّ الصيني دمويًا: جيوش مدنية مسلحة، وأكثر من 50 ألف جندي طوّقوا المدينة، وتم قطع الإنترنت والاتصالات بالكامل. كانت ليلة دامية بكل المقاييس.
ما الذي تغير ـ أو لم يتغير ـ منذ تلك المجزرة وحتى اليوم؟ وهل يمكن الحديث عن تحسّن، أو بالعكس، عن تفاقم في الانتهاكات بحق شعب تركستان الشرقية؟
للأسف، الأوضاع تفاقمت كثيرًا، خاصة منذ عام 2014، حيث بدأت السلطات الصينية ببناء المئات من معسكرات الاعتقال، التي أُشبّهها بمعسكرات النازية.
يُقدّر عدد المحتجزين فيها بين 5 إلى 8 ملايين شخص. ملايين آخرون حُكم عليهم بالسجن لمدد تتراوح بين 10 و25 سنة. تم هدم أكثر من 16 ألف مسجد، وحُوّلت بعضها إلى مراقص أو متاحف تجارية. نحن أمام سياسة ممنهجة لإبادة هوية كاملة: العرق، والثقافة، والمعمار الإسلامي.
نعم، هناك إبادة عرقية وثقافية ومعمارية ممنهجة، لم يتغير شيء بل اشتدت المعاناة والظلم، ورغم ذلك ما زال الشعب التركستاني صامدًا أمام هذا التنين الأكبر الظالم والطاغي.
من خلال عملكم في الصحافة وحقوق الإنسان، كيف تصفون طبيعة السياسات الصينية تجاه الإيغور؟ هل هي سياسات استيعاب ثقافي، أم أنها تتجاوز ذلك إلى الإبادة الممنهجة؟
نحن كتركستانيين عشنا مع الصين سياسة إبادة جماعية كاملة. الصين تنظر إلى تركستان الشرقية باعتبارها مصدرًا استراتيجيًا للطاقة والموارد الطبيعية، مثل البترول والفحم والذهب والفضة واليورانيوم وغيرها من المواد الطبيعية، وكذلك موقعًا حيويًا لأمنها القومي.
لذلك فهي تسعى لمحو الهوية التركستانية. الرسالة التي توجهها الصين واضحة: “إما أن تصبحوا صينيين، أو لا تستحقون الحياة”.
كيف تنظرون إلى التغطية الإعلامية العربية والإسلامية لقضية تركستان الشرقية؟ هل ترون أن هناك تقصيرًا؟ وما السبب برأيكم؟
للأسف، هناك تقصير كبير بل إهمال تام. سواء من وسائل الإعلام المستقلة أو الرسمية، لا يتم إعطاء هذه القضية أي اهتمام حقيقي.
هناك أسباب متعددة: أولها تقصير منّا نحن التركستانيين في إيصال صوتنا بشكل كافٍ، وثانيًا تغلغل الإعلام الصيني في العالم العربي.
الصين تصرف سنويًا حوالي 1.5 مليار دولار فقط لتجميل صورتها في الشرق الأوسط، وهناك مؤسسات عربية تتحدث بلسانها. كما أن العلاقات السياسية والاقتصادية بين الدول العربية والصين تُساهم في هذا التعتيم.
إلى أي مدى ساهمت المنظمات الدولية أو الأمم المتحدة في وقف ما يجري؟ وهل هناك أدوات قانونية يمكن تفعيلها في المستقبل؟
تُصدر الأمم المتحدة وبعض الدول الغربية تقارير وقرارات برلمانية تُدين ما يجري وتصفه بالإبادة الجماعية، مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا. لكن هذه قرارات غير مُلزمة.
لا توجد حتى الآن آليات قانونية دولية حقيقية لوقف الصين عند حدّها. تمّت مقاطعة بعض الشركات الصينية التي تستغل العمالة القسرية، لكن التأثير ما يزال محدودًا. نحتاج إلى ضغط سياسي واقتصادي حقيقي.
أنتم ترأسون جمعية تُعنى بالإعلام الإيغوري، ما دور الكلمة الحرة في مقاومة الإبادة الثقافية؟ وكيف توازنون بين الصحافة والنشاط الحقوقي؟
العمل لدينا يقوم على شقين متكاملين. الجانب الإعلامي، كما ذكرت سابقًا، يُعد في غاية الأهمية لتبليغ كلمة الحق ونقل صوت تركستان الشرقية إلى العالم العربي والإسلامي بشكل خاص، وإلى العالم أجمع بشكل عام.
نحن نستعد في نهاية هذا الشهر، بإذن الله، لتنظيم ندوة إعلامية سيكون لكم شرف حضورها، وسنسعى من خلالها إلى إيصال صوت شعبنا ومعاناته إلى أكبر عدد ممكن من الجهات والمؤسسات حول العالم.
أما النشاط الحقوقي، فهو مستمر ومتواصل؛ حيث نملك عددًا من المؤسسات المتخصصة في الإعلام، والحقوق، والتعليم، والنشر، سواء داخل تركيا أو خارجها.
نحن نعمل جاهدين على سد كل الثغرات الممكنة في هذا المسار، ولدينا اليوم أكثر من 20 مؤسسة في الشرق والغرب، تعمل جميعها على توصيل صوت تركستان الشرقية والدفاع عن قضيتها العادلة.
ما رسالتكم للنخب التونسية، من إعلاميين وأكاديميين ومثقفين، تجاه ما يحدث في تركستان الشرقية؟ وكيف يمكن أن يساهموا عمليًا؟
عبر هذا الحوار، أوجّه نداءً خاصًا إلى الشعب التونسي، وإلى الشعوب العربية عامة. إنّ قضية تركستان الشرقية ليست أقل شأنًا من القضية الفلسطينية، فهي قضية إنسانية، دينية، وعقدية بامتياز.
ومن هذا المنطلق، فإنّ المؤسسات الإعلامية مطالبة بأن تؤدي دورها في التعريف بهذه المأساة داخل مجتمعاتها، وتكريس مساحة دائمة لها ضمن أولوياتها التحريرية.
كما أطالب المنظمات الحقوقية التونسية أن تضطلع بمسؤولياتها، وأن تتابع بجدية ما يحدث في تركستان الشرقية، وأن ترفع صوتها عاليًا في المحافل الإقليمية والدولية.
وعلى الدعاة، والخطباء، وأئمة المساجد أن يجعلوا من هذه القضية جزءًا من خطبهم ومواعظهم، سواء في خطب الجمعة أو في المعاهد العلمية، لأنها قضية ترتبط بواجب ديني وأخلاقي لا يقبل التأجيل.
كذلك أدعو الأساتذة والمدرّسين، في المدارس العلمية ومعاهد القرآن الكريم، إلى تضمين هذه القضية في مناهج التوعية. أما الأكاديميون، والكتّاب، والفنانون، سواء في تونس أو خارجها، فهم مدعوون لتحريك أقلامهم وريَشهم في سبيل إنصاف هذا الشعب المضطهد.
وأختم بدعوة عملية، وهي مقاطعة السلع الصينية التي تُسهم أرباحها في قتل إخوتنا؛ تمامًا كما قاطعنا السلع الأوروبية دعمًا للقضية الفلسطينية. وعلى الدعاة ألا ينسوا إخوانهم التركستانيين من الدعاء الصادق. هذا بعض ما يمكن أن يقدمه الشعب التونسي الكريم نصرةً لإخوانهم هناك.
في ظل ذكرى المجزرة، كيف تحافظون على الأمل؟ وما الذي يُبقي هذه القضية حيّة في وجدانكم؟
الشعب التركستاني هو شعب مسلم، متجذّر في هويته، حافظ على دينه وعاداته وتقاليده لأكثر من 1400 سنة.
وعلى الرغم من حظر المظاهر والشعائر الدينية، ومنع الحجاب، وإغلاق المساجد، إلا أن هذا الشعب لا يزال يُصرّ على التمسك بإيمانه وهويته قدر المستطاع، متحديًا الظلم والإضطهاد برباطة جأش نادرة.
أما نحن في الخارج، فنعاهد الله أن نبقى أوفياء لهذه القضية، وأن نسعى بكل ما أوتينا من طاقة لنصرتها. نربي أجيالًا جديدة على حمل هذا الهمّ، لا باعتباره قضية جغرافية تخص تركستان الشرقية فقط، بل باعتباره جزءًا من قضايا الأمة الإسلامية الكبرى، التي تتطلب وعيًا، تربية، ونضالًا مستمرًا حتى تحقيق الحرية والعدالة والكرامة.
كلمة أخيرة تودون توجيهها إلى القارئ العربي عمومًا، والتونسي خصوصًا، في ختام هذا الحوار؟
رسالتي الأخيرة موجهة إلى كل مكوّنات المجتمع: الصحفيين، الحقوقيين، الأكاديميين، الفنانين، الأئمة، المربين، ومعلمي القرآن. لكل من يحمل ضميرًا حيًا: هذه مسؤوليتكم الدينية والإنسانية.
عرّفوا الناس بقضية تركستان الشرقية في بيوتكم، مدارسكم، مساجدكم، وجامعاتكم. هذه ليست قضية سياسية أو دينية فحسب، بل قضية كرامة إنسانية وواجب أخلاقي. لقد أبلغتكم الرسالة عبر هذا المنبر، ويبقى على كل واحد منكم أن يتحمل مسؤوليته أمام الله والتاريخ.
ملاحظة تحريرية: تم إعداد هذا الحوار الأكاديمي بهدف التوثيق الحقوقي والتوعية الإعلامية، وسيُنشر بثلاث لغات (العربية، الفرنسية، الإنجليزية) لضمان وصول الرسالة إلى جمهور واسع ومتنوع من صُنّاع القرار، المؤسسات الحقوقية، ووسائل الإعلام.