يجتمع وزراء من عشرات الدول في مقر الأمم المتحدة الاثنين للمشاركة في مؤتمر دولي طال انتظاره، يهدف إلى إحياء مسار حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين، في وقت تغيب فيه كل من الولايات المتحدة وإسرائيل عن الطاولة، في موقف يسلّط الضوء على التصدع العميق في المواقف الدولية حيال النزاع المتفاقم في غزة.
المؤتمر، الذي تنظمه فرنسا والسعودية بشكل مشترك، كان مقرراً في الأصل لشهر يونيو، لكنه أُرجئ بعد التصعيد الإسرائيلي ضد إيران.
ويُعقد اليوم بدفع من الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أقرت في سبتمبر الماضي ضرورة تنظيمه خلال 2025، في محاولة لصياغة خريطة طريق واضحة نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل، وفق رؤى تضمن أمن الجانبين.
وفي مقابلة مع صحيفة La Tribune Dimanche، أكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو أن بلاده ستستغل المؤتمر لإطلاق دعوة إلى دول العالم للاعتراف بدولة فلسطين، مشيراً إلى أن باريس تعتزم الاعتراف الرسمي في سبتمبر خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وصرّح بارو بأن الدول العربية ستصدر في ذات المناسبة موقفاً موحداً يدين حركة حماس ويطالب بنزع سلاحها، كجزء من توافق أوسع لتهيئة البيئة السياسية اللازمة لحل دائم.
لكن في الجهة المقابلة، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مقاطعة واشنطن للمؤتمر، واصفاً إياه بـ”الهدية لحماس”، مشيراً إلى أن الأخيرة ترفض مقترحات وقف إطلاق النار التي وافقت عليها إسرائيل.
وأضاف المتحدث أن بلاده صوّتت ضد المؤتمر منذ البداية، ولن تدعم خطوات تُقوّض فرص التوصل إلى سلام مستدام.
من جهتها، عبّرت إسرائيل عبر بعثتها الأممية عن رفضها القاطع المشاركة في مؤتمر لا يضع في أولويته “إدانة حماس وإعادة الرهائن فوراً”، وفق تصريح المتحدث جوناثان هارونوف.
ورغم التباين الحاد في المواقف، تواصل الأمم المتحدة التأكيد على دعمها التاريخي لرؤية الدولتين ضمن حدود 1967، وهي الرؤية التي يدعمها الفلسطينيون لإقامة دولتهم في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة.
وفي ماي الماضي، منحت الجمعية العامة دفعة معنوية قوية للفلسطينيين عبر التصويت لصالح اعتبارهم مؤهلين لنيل العضوية الكاملة في المنظمة، حيث صوتت 143 دولة لصالح القرار مقابل اعتراض تسع دول فقط.
وتأتي هذه الدينامية الدبلوماسية في وقت تتواصل فيه الحرب في قطاع غزة للشهر الـ22، دون بوادر حقيقية لاتفاق سياسي أو هدنة دائمة.
وبينما لا تزال المفاوضات متوقفة منذ أشهر، صرّح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بأن على إسرائيل اتخاذ “قرار حاسم” بشأن المرحلة المقبلة، ملمحاً إلى فشل مفاوضات إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار مع حماس.
وخلال اجتماع مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في منتجع ترنبيري باسكتلندا، قال ترامب إن “قادة حماس لا يرغبون بإعادة الرهائن”، مضيفاً: “أعلم ما يجب فعله، لكنني لن أكشف عنه الآن”، زاعماً أن حماس تسرق المساعدات الغذائية وتبيعها في السوق السوداء.
وتستمر الأوضاع الإنسانية في غزة في التدهور، حيث أعلنت وزارة الصحة في القطاع وفاة 133 شخصاً بسبب الجوع وسوء التغذية، من بينهم 87 طفلاً، في ظل انهيار شبه كامل للخدمات الصحية والبنية التحتية.
ترامب، الذي أعلن تقديم المزيد من المساعدات الأميركية لغزة، أعرب عن استيائه من غياب المساهمة الأوروبية، قائلاً: “لم يقدّم أحد شيئاً سوانا.. ولم نسمع حتى عبارة ’شكراً’”.
وفي هذا السياق، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل تبحث عن “بدائل” لمفاوضات وقف إطلاق النار، متعهداً بتحقيق هدفين: إعادة الرهائن وإنهاء حكم حماس في القطاع، في ظل دمار واسع النطاق ونزوح مئات الآلاف.
وفيما يتعثر المسار السياسي، يواصل المؤتمر الأممي اليوم محاولة كسر الجمود، وسط انقسام دولي صارخ بين مؤيد لمسار دبلوماسي شامل، ورافض لكل مبادرة لا تبدأ من إدانة حماس وتجريدها من سلاحها.
وبينما يغيب الأميركيون والإسرائيليون، تبدو فرنسا والسعودية عازمتين على رسم أفق جديد في صراع طال أمده، وباتت تداعياته تتجاوز حدود الشرق الأوسط.