تشير تقارير أمريكية حديثة إلى حدوث تحول نوعي في الرأي العام الأمريكي إزاء الحرب الإسرائيلية على غزة، وسط تزايد المشاهد الصادمة للمجاعة، ومقاطع فيديو لأطفال يعانون الهزال، وذويهم يسابقون الوقت للحصول على الفتات.
تقرير حديث لشبكة CNBC رصد هذا الانعطاف اللافت، مشيرًا إلى أن تعاطف الشارع الأمريكي مع إسرائيل آخذ في التآكل، خاصة بعد تجاوز عدد القتلى الفلسطينيين حاجز 60 ألفًا، وفق وزارة الصحة في غزة.
وصرّح مايكل وحيد حنا، مدير برنامج الولايات المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية، أن المعاناة باتت لا تُحتمل، وأن التغطية الإعلامية الأمريكية شهدت تحولًا واضحًا خلال الأسبوعين الأخيرين، ما يعكس بداية “نقطة تحوّل” في المزاج العام.
استطلاع جديد أجرته مؤسسة “غالوب” أظهر أن غالبية البالغين الأمريكيين لم يعودوا يؤيدون العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، مقارنة بمستويات الدعم العالية التي سجلت في أكتوبر 2023.
اللافت أن هذا التغير لا يقتصر على الأوساط الليبرالية أو الديمقراطية فحسب، بل تسلل أيضًا إلى بعض أروقة الحزب الجمهوري المعروف بتأييده التقليدي لإسرائيل، حيث وصفت النائبة الجمهورية المتشددة مارغوري تايلور غرين الأزمة في غزة بـ”الإبادة الجماعية”، في خروج غير مسبوق عن الخطاب الجمهوري المألوف. وجاء ذلك بعد انتقاد الرئيس السابق دونالد ترامب لتصريحات نتنياهو التي أنكر فيها وجود مجاعة بغزة.
كما بدأ بعض قادة الجمهوريين مثل زعيم الأغلبية بمجلس الشيوخ جون ثون بإبداء تعاطف علني تجاه المدنيين الفلسطينيين، مؤكدًا الحاجة إلى تعزيز المساعدات. من جهتهم، وسّع الديمقراطيون في مجلس النواب، بمن فيهم نانسي بيلوسي وبراد شنايدر، ضغوطهم على إدارة بايدن لزيادة الدعم الإنساني، ووصفت بيلوسي الوضع في غزة بأنه “كارثة أخلاقية طارئة”.
أما السيناتور المستقل أنغوس كينغ، فذهب إلى أبعد من ذلك، معلنًا أنه سيعارض أي دعم أمريكي لإسرائيل ما لم يحدث “تغيير ملموس” في سياساتها، مضيفًا أن اختباره الحاسم هو: “لا مساعدات ما دام هناك أطفال يتضورون جوعًا بسبب إسرائيل”.
هذا التحول حسب محللين لا يعد تفصيلاً صغيرًا في السياسة الأمريكية، بل يمثّل انكسارًا محتملاً في خط الدعم المطلق لإسرائيل داخل المؤسسة السياسية الأمريكية. فلأول مرة منذ عقود، تتحد أصوات من الحزبين الكبيرين في وصف الوضع في غزة بمصطلحات ثقيلة مثل “الإبادة الجماعية” و”الطوارئ الأخلاقية”، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول مستقبل العلاقة بين واشنطن وتل أبيب.
صحيح أن الولايات المتحدة لا تزال تقدم دعمًا عسكريًا وماليًا هائلًا لإسرائيل، لكن الحراك المتصاعد في الكونغرس، والتغطية الإعلامية المتغيرة، إضافة إلى مؤشرات الرأي العام، قد تؤسس لتغير طويل الأمد في السياسة الأمريكية تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
وقد يشكل ذلك ضغطًا إضافيًا على حكومة نتنياهو، التي باتت تعاني من عزلة دولية متزايدة، وسط انتقادات حادة من منظمات حقوق الإنسان، وتحقيقات محتملة في جرائم حرب.
على المدى البعيد، يبرز السؤال الأكثر إلحاحًا: هل يمكن للولايات المتحدة، وهي الراعي التاريخي للعملية السلمية، أن تستمر في لعب هذا الدور بنفس الفاعلية إذا استمرت في تجاهل التحولات الأخلاقية داخل مجتمعها السياسي؟ أم أن الدعم لإسرائيل بات مشروطًا بثمن أخلاقي لا يمكن إنكاره بعد اليوم؟
المعادلة الجديدة وفق محللين، تضع واشنطن أمام اختبار قيم كاشف.. فإما أن تتبنى نهجًا جديدًا أكثر توازنًا، يعترف بحقوق الفلسطينيين، أو أن تُخاطر بانهيار مصداقيتها الأخلاقية أمام العالم، وربما أمام ناخبيها أيضًا.
تعليق واحد