أحمد علي العبيدي
إنّ قرار واشنطن إنهاء تصنيف “هيئة تحرير الشام” كمنظمة إرهابية، يكشف الكثير من الحقائق الواضحة التي غالبًا ما يغفلها العرب، سواء في نقاشاتهم الحزبية الاعتيادية أو في تغطياتهم الإعلامية.
أولًا: لم تُسجّل الجماعات الإرهابية أي هجوم ضد الغرب داخل الأراضي العربية.
ثانيًا: استهدفت هذه الجماعات النسيج العربي بمختلف طوائفه، وفقًا للجغرافيا السياسية، وبمباركة قوى سياسية كانت مستفيدة من حالة الفوضى الطائفية، خصوصًا في دول ممزقة وضعيفة مثل العراق.
ثالثًا: بعض العمليات الإرهابية وقعت قرب مواقع غربية حساسة، دون أن تُحرّك تلك الجهات ساكنًا لإنقاذ المدنيين، ما يثير تساؤلات عن حقيقة الموقف الغربي من هذه الجماعات.
كل ذلك يُظهر بوضوح أن خيوط اللعبة تمسك بها الدول الغربية، ولكنها تترك فسحات محدودة يمكن استغلالها للبقاء في السلطة.
فالوجود الإرهابي في المنطقة لم يكن سوى مشروع لإخضاع الشعوب لأهداف محددة، عبر خلق بيئة من الحروب الأهلية، تدفع المجتمعات نحو الارتماء في أحضان قوى سياسية أو طائفية طلبًا للحماية.
وهذا يشكل أرضًا خصبة لتفاعلات تُرسم بموجبها خرائط سياسية جديدة تُفضي إلى تشكيل أنظمة حكم موالية.
هنا تتقاطع مصالح الدول الكبرى مع مصالح بعض الأحزاب المحلية، في علاقة تخادم مؤقت، تفعَّل كلما دعت الحاجة إلى تمرير استحقاقات داخلية تهم الحزب الحاكم أو تحقق مصالح استراتيجية لتلك الدول.
وعليه، فإن القوى المناهضة للمشاريع الغربية أو الشرقية عليها أن تتحرك ضمن الهامش الضيق الذي تتيحه قوى الإرهاب، وهو هامش غالبًا ما يكون عاجزًا عن إحداث تغيير جوهري في الواقع، خاصة وأن خيوط اللعبة الحقيقية ليست متاحة لأي طرف، إلا إذا خضع لشروط “الراعي الرسمي” للعملية السياسية.
حينها فقط، يمكن رفع صفة “الإرهاب” عن هذا الطرف، أو السماح له بلعب دور في إدارة الدولة.
وفي هذا السياق، لا بد من التوقف مجددًا عند النقاط الثلاث التي ذُكرت سابقًا، والتي تسلط الضوء على ماهية الإرهاب في المناطق العربية، وكيفية تشكّله وتصنيفه دوليًا، بما يخدم هدف إنهاك المجتمعات وإخضاعها.
كل ذلك يجري دون أن يظهر أي تهديد فعلي للقوى الغربية، ما يُعزز فرضية أن هناك ارتباطًا خفيًا بين بعض هذه الجماعات والجهات التي تدّعي محاربتها.
كاتب وصحفي / العراق
This helped me a lot, thanks!