آراءسياسة
أخر الأخبار

السويداء.. سوء تفاهم يفضح ورش الممرّات “تحليل”

لا تقوى سوريا وحدها على مواجهة "الزمن الإسرائيلي" المتناسل من حدث "طوفان الأقصى"

دخل العامل الإسرائيلي بالقوة القاهرة على مسار التحوّل السوري الذي عرفه البلد منذ سقوط نظام بشّار الأسد في 8 كانون الثاني من هذا العام. بات المشهد ما بعد “حدث السويداء” يختلف عما قبله.

أطلت إسرائيل كجهة مقرّرة في مستقبل السياق السوري وشكل العلاقة بين دمشق وبقية مكوّنات البلد. ولئن أعلن وزير الخارجية جدعان ساعر قبل شهر من ظهور أحمد الشرع في دمشق عن وعد بحماية الدروز والأكراد، فإن الأمر انتقل من وعد سياسي إلى عمل عسكري طال العاصمة دمشق.

فعلت إسرائيل ما فعلت على الرغم مما تسرّب عن طلب واشنطن لها بوقف هجماتها. بدت واشنطن في صمتها و “تفهمها” للأسباب الإسرائيلية ضالعة في توجيه رسائل شديدة القسوة للدولة السورية التي كان أفرط المبعوث الرئاسي الخاص لسوريا توم برّاك في نظم قصائد المديح لها. هو نفسه من كان حسم من واشنطن قبل أيام رفض وجود كيانات أو تشكّلات خارجة عن سلطة الدولة.

أوحى ذلك برعاية أميركية لرفض الدولة السورية القبول بمبدأ وجود ميليشيات مسلحة ومشاريع دويلات داخل الدولة الواحدة.

لم ترَ واشنطن في الحدث الدراماتيكي بما في ذلك قصف المقاتلات الإسرائيلية لمقرات سيادية عسكرية وسياسية اقتربت من القصر الرئاسي في العاصمة السورية إلا “سوء تفاهم”.

هكذا وصف وزير الخارجية ماركو روبيو الأمر في حضرة الرئيس دونالد ترامب في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض.

أوحت كلماته بما كان لمّح إليه برّاك قبل ذلك عن تنسيق جرى بين دمشق وتل أبيب أتاح توجه الأرتال العسكرية لوزارتي الدفاع والداخلية السوريتين باتجاه السويداء. غير أن ذلك “السوء” المجهول الدوافع خرّب ذلك “التفاهم” الغامض الملامح.

الحرب مناورة والسياسة خدعة. بدا أن دمشق استُدرجت نحو السويداء. قيل إن لقاء بين مسؤولين سوريين وإسرائيليين جرى برعاية أذربيجان على هامش زيارة الرئيس الشرع إلى باكو في 12 من تموز الجاري.

وقيل إن تفاهمات ذلك الاجتماع تفسّر توجه دمشق بعد ساعات لـ “استعادة” السويداء. وإذا ما صحّ أن إسرائيل نقضت التفاهم، فإنها في تدخلها العسكري نالت من هيبة الدولة الجديدة والفلسفة التي انتهجتها برعاية ودعم من العواصم القريبة والبعيدة لانتشال البلد من تركة النظام السابق الثقيلة.

لا تقوى سوريا وحدها على مواجهة “الزمن الإسرائيلي” المتناسل من حدث “طوفان الأقصى”. تنادت 11 دولة إقليمية مهتمة بالشأن السوري، الخميس، لإصدار موقف مشترك استثنائي ولافت في الشكل والمضمون.

اجتمعت دول الخليج الست مع مصر والأردن والعراق ولبنان وتركيا على التنديد في بيان واحد بـ “الاعتداء الإسرائيلي السافر” على سوريا الذي “يزعزع أمن واستقرار ووحدة وسلامة أراضي البلد ومواطنيه”. لكن الأهم أن تلك الدول اعتبرت أن “أمن سوريا واستقرارها ركيزة للأمن والاستقرار الاقليميين وأولوية مشتركة”. بات تلك الدول معنيّة مباشرة في أمنها ومصالحها بالحدث.

بدا أن الأمر جلل يتجاوز الجغرافيا السورية. شكّل سقوط النظام السابق حجر زاوية قامت وفقها ديناميات إعادة تشكّل التوازنات في المنطقة. جرى احتضان التحوّل السوري منذ الأيام الأولى بإيقاعات حذرة، لكن دؤوبة ومتصاعدة وشاملة، بحيث أعادت دمشق الوصل مع حواضنها العربية والإسلامية، واستعادت علاقاتها مع العواصم الدولية، وصولا إلى رفع العقوبات الأميركية، في سرعة قياسية.

غير أن العامل الإسرائيلي المستجد بدا مطلّا من خارج هذا السياق ليهدد ما اعتبره العالم تطوّرا مكتسبا بات ناجزا لا عودة عنه.

دمر التحوّل السوري ممر طهران بيروت الذي بات نسيا منسيا. لكن حديث الممرات عاد من جديد لاقتحام الخرائط والعبث باستقرارها. طالب الشيخ حكمت الهجري أحد شيوخ عقل طائفة الدروز الموحدين في سوريا بفتح ممر يربط محافظة السويداء بالمنطقة التي يسيطر عليها أكراد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) شمال غرب سوريا.

رأى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الأمر أعراض إنعاش لممر داوود الذي لطالما حذرت أنقرة منه. قال “إن الذين يحلمون بإنشاء ممر في جنوب سوريا لن يحققوا أهدافهم”، وإن “من ينزل إلى البئر بحبل إسرائيل سيدرك أنه ارتكب خطأ فادحاً في الحساب”.

في علم الممرات أيضا رواج تحذيرات في إسرائيل من قيامها بالاعتراف بسلطة الشرع من خلال تفاهمات أمنية أو أكثر من ذلك. تحدثت “يديعوت أحرنوت” عن تشكّل مبادرة تجارية جديدة تربط ما بين السعودية والأردن وسورية وتركيا، من دون المرور بإسرائيل.

اعتبرت الصحيفة إن اعتراف إسرائيل بشرعية السلطة في دمشق يمنح ذلك الممر موطئ قدم قانوني سيؤدي إلى انهيار مشروع الهند – إسرائيل- أوروبا، ويجعل إسرائيل تفقد موقعها كممر استراتيجي بين الشرق والغرب.

في ذلك الفهم ما يشير إلى أن “حدث السويداء” لا يقتصر على مسألة الغيرة على أمن الدروز والحرص على الشراكة مع أقليات سوريا وحتى المنطقة، بل أن لهواجس الممرات ما يمكن أن يطرق أبواب واشنطن ويوقظها على “سوء تفاهم” يتجاوز ما رأى فيه روبيو مجرد صراعات تقليدية قديمة بين دروز عشائر.

يُظهر الحدث لحظة ارتباك في واشنطن. رعاية لدمشق.

تفهّم لهواجس إسرائيل. تدخل لوقف المواجهات في السويداء. طلب معلن بسحب القوات العسكرية السورية من المنطقة. إطلاق مجموعة مواقف تنأى بنفسها عما اقترفته إسرائيل.

استعداد لإعادة تنشيط سعيّها السوري عبر برّاك. وتذكير بورشتها الطموحة لـ “إقامة السلام بين المنطقة وإسرائيل. بدا أن عواصم المنطقة تبعث برسائل غضب قرأتها واشنطن بعناية تصدر بواجهات متعددة متقاطعة من أنقرة والرياض كما من بغداد والقاهرة وغيرها تحمّل تبرّما وقلقا من خرائط الممرات التي تتسرّب من وراء حدث السويداء.

https://anbaaexpress.ma/xiyhx

محمد قواص

صحافي وكاتب سياسي لبناني

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى