مرة أخرى، تعود الجزائر إلى الواجهة الدولية ليس عبر إنجاز اقتصادي أو تحوّل إصلاحي، بل عبر وصمة جديدة من مجموعة العمل المالي الدولية (GAFI)، التي أدرجت الجزائر رسميًا في القائمة الرمادية، إلى جانب دول تعيش حالة شبه انهيار مؤسساتي.
الاتهام؟ تسهيل تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. والمفارقة المؤلمة أن ذلك يأتي من دولة لا تكفّ عن ترديد سرديات “المقاومة” و”مكافحة التطرف”.
الرد الرسمي لم يتأخر. لكن بدل مراجعة منظومة الفساد السياسي والمالي، جاء الجواب بشكل متوقع: مشروع قانون. أو لنقل “قانون تجميلي”، يهدف في ظاهره إلى “تعزيز الشفافية ومحاربة الجريمة المالية”، لكنه في العمق مجرّد محاولة يائسة لتلميع صورة مهترئة أمام الخارج، تحت ضغط التقارير الدولية والرقابة الأوروبية.
الوزير الأول ووزير العدل قدّما المشروع على عجل، تحت غطاء “الإصلاح الاستباقي”، فيما الحقيقة أنه ردّ دفاعي مدفوع بالهلع من تداعيات التقييم الدولي.
البرلمان، الذي من المفترض أن يكون مؤسسة سيادية للنقاش والمراقبة، مُنع حتى من اقتراح تعديلات. بل وُجّهت التعليمات صريحة: “مرّروه كما هو، لا تفتحوا الباب للجدل”. لأن التعديل قد يُقرأ خارجيًا كمقاومة للإصلاح، وهذا وحده كفيل بإبقاء الجزائر في القائمة الرمادية.
لكن أين جوهر المشكلة؟ الجميع يعرف، ولا أحد يجرؤ على النطق به: تبييض الأموال لم يكن يومًا مجرد ظاهرة منعزلة، بل هو جزء من بنية مؤسسية.
السؤال المحرّم الذي لا يطرح: من أين لمجموعة من المسؤولين – مدنيين وعسكريين – كل هذا الثراء الفاحش؟ من يشغّل السوق السوداء للعملة؟ من يحمي شبكات التهريب؟ من يتواطأ؟ ومن يُحصّن الفاعلين الحقيقيين من كل محاسبة؟
القانون الجديد لا يجرؤ على الإجابة. لأنه لا يستطيع. لأنه يعرف أن جذور الجريمة مزروعة داخل النظام نفسه، لا خارجه.
وبالتالي، لا حديث عن تتبّع حقيقي للمستفيدين، ولا عن إجراءات ملموسة لكبح السوق الموازية، ولا عن قضاء مستقل يُلاحق دون خطوط حمراء.
ما نراه اليوم ليس قانونًا لمحاربة المال القذر، بل محاولة للتغطية على القذارة بوشاح نظيف أمام الكاميرات الدولية. فالدولة لا تخاف من الفساد بقدر ما تخشى انكشاف صورته. وكل ما في الأمر أن النظام يسابق الزمن لتلميع سمعته، لا لتطهير مؤسساته.
خلاصة: نحن أمام قانون يُشرّع للخداع لا للشفافية. مشروع هدفه ليس تنظيف الاقتصاد، بل تبييض سمعة السلطة. لأن المعركة لم تكن يومًا ضد الفساد، بل ضد انكشافه.