آراءالشرق الأوسط
أخر الأخبار

التطرف والخطاب الطائفي: أدوات الهدم في مواجهة انتصار الثورة السورية

د. فارس يغمور

في لحظة مفصلية من تاريخ سوريا، وبعد أكثر من عقد على انطلاق الثورة السورية المجيدة، بات من الواجب إعادة التأكيد على حقيقة لم تعد قابلة للنقاش: لقد انتصرت الثورة، وسقط النظام السوري السابق، وهرب رأسه المجرم بشار الأسد من واجهة المشهد السياسي بعد أن جلب العار والدمار لسوريا وشعبها.

لم يكن سقوط النظام فقط عسكرياً أو سياسياً، بل كان سقوطاً أخلاقياً وقانونياً وإنسانياً أمام أعين العالم نظام قتل شعبه، هجّر الملايين، وارتكب أبشع جرائم العصر، لا يمكن أن يُعاد تدويره أو إعادة تأهيله تحت أي ذريعة.

لكن الخطر اليوم لا يكمن في ما تبقى من هياكل هذا النظام، بل في الأدوات التي ما زال يستعملها، وعلى رأسها الخطاب الطائفي والتطرف الممنهج الذي تسعى من خلاله قوى داخلية وخارجية لإجهاض مشروع سوريا الحرة.

الطائفية والتطرف.. أدوات الضعفاء بعد هزيمة مشروع الاستبداد

حين تُهزم الأنظمة الاستبدادية عسكرياً وشعبياً، فإنها تلجأ إلى تفكيك المجتمع من الداخل. هذا تماماً ما فعله النظام السابق في سوريا.

فبعد أن خسر شرعيته، لجأ إلى أخطر سلاح: تفجير البنية المجتمعية من خلال الطائفية والتحريض العرقي في محاولة بائسة للقول إن البديل عن حكمه هو الفوضى والانقسام.

كما استغل الحلفاء الإقليميون والدوليون هذا الانقسام، وساهموا في نشر تنظيمات متطرفة لتشويه صورة الثورة، وتكريس الانطباع بأن ما يجري في سوريا ليس ثورة شعبية، بل “صراع طائفي”، وهي كذبة كبرى روّجها النظام المجرم ومن دعمه.

سقوط النظام وغياب رأسه لا يعني غياب أدواته

لقد هرب بشار الأسد من الواجهة السياسية، بعدما أصبح مجرد رمز ملاحق دولياً بجرائم ضد الإنسانية، لا يملك من أمر سوريا شيئاً سوى أدوات أمنية وطائفية. لكن النظام، كشبكة مصالح وتحالفات، ما زال يحاول:

إعادة إنتاج نفسه عبر خطابات طائفية تخوينية.

اختراق قوى الثورة بزرع العملاء أو إثارة الشقاق.

إيهام العالم بأنه “الضامن للاستقرار”في وجه “الفوضى”.

لكن الحقيقة واضحة: لا استقرار مع بقاء هذه الأدوات، ولا مستقبل مع بقاء هذا النهج

الثورة انتصرت.. لكنها بحاجة إلى حماية

الثورة السورية انتصرت عندما أسقطت جدار الخوف. انتصرت حين أثبت الشعب السوري أنه لا يقبل الظلم مهما طال. انتصرت لأن العالم بأسره رأى الحقيقة: نظام مجرم يقتل شعبه، وثورة تطالب بالحرية والكرامة

لكن الانتصار الكامل يحتاج إلى:

– تحصين الوعي المجتمعي من أدوات الطائفية.

– منع الدول الإقليمية من العبث بالمشهد السوري تحت شعارات الحماية أو المصالح.

– إعادة التأكيد على وحدة الشعب السوري، بكل أطيافه، تحت راية واحدة: سوريا الحرة.

المطلوب الآن – عقد وطني جديد بلا طغاة ولا طائفية

لا يمكن لسوريا الجديدة أن تُبنى على بقايا طغيان، أو رماد طائفية، أو خيالات “زعيم هارب”. المطلوب هو:

دستور جديد يضمن حقوق جميع السوريين.

عدالة انتقالية تُنصف الضحايا وتُحاسب المجرمين.

قيادة سياسية وطنية نزيهة تعبّر عن الثورة، لا عن الممولين.

إعلام وطني حر يفضح خطاب الكراهية ويرفع صوت العقل.

لن نعود إلى الوراء

إن سوريا التي دفع أبناؤها دماءهم من أجلها لن تُباع في صفقات سياسية مشبوهة، ولن تُحكم مجددًا بسلطة المخابرات أو زعماء الطوائف أو العملاء الخارجيين

إن بشار الأسد هرب من واجهة الدولة، وسقط كنظام، وسيسقط كفكر وممارسة وأثر، وستنهض سوريا جديدة، مدنية، عادلة، يلتف حولها جميع السوريين، لا مكان فيها لمجرمي الحرب، ولا للطغاة، ولا للطائفيين.

سوريا المستقبل قادمة.. بسواعد أحرارها، وبإرادة شعبها، وبعقول لا تؤمن إلا بالوطن الواحد، والدولة الواحدة، والمصير الواحد.

* عميد المعهد العالي لحقوق الإنسان والعلوم الدبلوماسية

https://anbaaexpress.ma/j3rhz

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى