مع حلول صيف 2025، عاد الجدل حول السياحة الداخلية في المغرب إلى الواجهة، مدفوعًا بتساؤلات المواطن المغربي حول جدوى قضاء العطلة داخل الوطن في ظل ارتفاع الأسعار وتراجع القيمة المضافة للخدمات السياحية.
مقارنة مع وجهات قريبة جغرافيًا كإسبانيا، يزداد الإحساس بالغبن لدى المستهلك المحلي، حيث يُفترض أن تكون السياحة الداخلية بديلاً اقتصادياً مريحاً، لا عبئاً مالياً غير مبرر.
تسعى هذه المقالة إلى تقديم قراءة تحليلية لهذا الإشكال، عبر مقارنة الأسعار والخدمات في السوق السياحي المغربي مع نظيره الإسباني، مع التركيز على مؤشر القيمة مقابل السعر، عوض التركيز على الأسعار في حد ذاتها.
السياحة الداخلية المغربية في مرآة الأسعار الدولية: صيف 2025 نموذجاً
أولاً: الإقامة الفندقية
تشهد المدن السياحية الكبرى في المغرب مثل مراكش، أكادير، طنجة، وتطوان، ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار الإقامة خلال فصل الصيف. ففي فنادق مصنفة 3 نجوم، تتراوح أسعار الليلة الواحدة ما بين 900 إلى 1500 درهم مغربي، مع تفاوتات كبيرة بحسب الموقع والموسم.
في المقابل، تعرض فنادق مشابهة في مدن إسبانية سياحية مثل فالنسيا أو مالقا عروضًا بأسعار تتراوح بين 65 إلى 90 يورو (أي ما يعادل 650 إلى 900 درهم مغربي)، وتشمل في الغالب خدمات إضافية مثل الإفطار أو الدخول إلى المسبح، مع احترام صارم للمعايير الأوروبية في الاستقبال والنظافة والراحة.
ثانياً: المطاعم والخدمات الغذائية
الوجبات في مطاعم مغربية متوسطة التكلفة لشخصين تصل في المتوسط إلى 250 درهمًا، مع تفاوتات حسب المدينة. أما في إسبانيا، فإن الوجبة الكاملة في مطعم متوسط تتراوح بين 25 إلى 35 يورو، لكن بجودة أعلى وتنوع أكبر في الخيارات، مما يعكس فوارق في سلاسل التوريد، التكوين المهني، وتنافسية السوق.
ثالثاً: النقل والتنقل السياحي
يعاني القطاع السياحي المغربي من ضعف البنية التحتية للنقل المحلي، مما يرفع من كلفة التنقل داخل المدن السياحية أو بينها. كراء السيارات يبدأ من 500 درهم يوميًا دون احتساب التأمين أو المصاريف الإضافية، في حين تُوفر المنصات الأوروبية سيارات بكراء يومي يبدأ من 30 يورو مع تأمين وخدمات احترافية.
تحليل اقتصادي: الفجوة بين السعر والقيمة
يُعدّ مفهوم “القيمة مقابل السعر” (Value for Money) أحد أهم مؤشرات فعالية القطاع السياحي. والملاحظ أن السياحة الداخلية المغربية تعاني من خلل هيكلي في هذا المؤشر، نتيجة تراكب عوامل اقتصادية وإدارية، من بينها:
الاحتكار والتمركز السياحي:
– يتركز العرض السياحي في مدن معدودة، ما يولد ضغطًا على البنية التحتية، ويرفع الأسعار بفعل قانون العرض والطلب دون مبرر حقيقي مرتبط بالجودة.
– ضعف الحوكمة السياحية: غياب الرقابة الفعلية على الأسعار، وتراخي في تطبيق معايير التصنيف الفندقي والمطاعم، يضع المستهلك أمام خدمات لا تتناسب مع التكلفة.
– توجيه السوق نحو السياحة الأجنبية: لا يزال جزء كبير من الفاعلين السياحيين يوجه خدماته نحو السائح الأجنبي، مما يجعل السائح المحلي ضحيةً لفراغ في العرض الموجه له.
– غياب المنافسة العادلة والتكوين المهني: ما يُنتج تفاوتًا كبيرًا في جودة الخدمات، من حيث التكوين، وحسن المعاملة، وتدبير الشكايات.