وسط تصاعد الاضطرابات في الجنوب السوري، تبدو إسرائيل عالقة بين مطرقة التحالفات الاستراتيجية وسندان الالتزامات الاجتماعية، بعدما أضحت أزمة محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية عائقاً أمام أي تقارب محتمل مع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، بحسب ما أفادت به صحيفة جيروزاليم بوست في تقرير تحليلي حديث.
الصحيفة نقلت عن البروفيسور أماتسيا برعام، المختص في شؤون الشرق الأوسط بجامعة حيفا، أن إسرائيل كانت ترى في الشرع فرصة سانحة لبناء قناة حوار سياسي وأمني مع دمشق الجديدة، لا سيما لمواجهة نفوذ حزب الله في الجنوب السوري. غير أن تطورات الوضع في السويداء، والمخاوف المتزايدة من استهداف الدروز، جعلت هذا الرهان محفوفاً بالمخاطر.
برعام أشار إلى أن إسرائيل تجد نفسها في لحظة حرجة، تحاول خلالها الموازنة بين الحاجة إلى التنسيق مع النظام الجديد في سوريا، وبين التزامها الأخلاقي تجاه الطائفة الدرزية، التي تمثل شريحة هامة من المجتمع الإسرائيلي، وتربطها أواصر قرابة عسكرية واجتماعية داخل حدود الدولة العبرية.
ويضيف برعام أن أحمد الشرع قدَّم نفسه للغرب على أنه زعيم براغماتي يسعى إلى إعادة إعمار سوريا والخروج من العزلة، لكنه يفتقر عملياً للسيطرة على مناطق واسعة من البلاد. ففي الشمال السوري، النفوذ التركي يقيّد تحركاته، وفي الشمال الشرقي، الأكراد يفرضون أمراً واقعاً، أما في الشرق والجنوب، فالمشهد عبارة عن فسيفساء من الفصائل المسلحة، المتناحرة أحياناً والمتقاطعة مصالحها أحياناً أخرى.
وفي هذا السياق، تبرز السويداء كنقطة توتر حاسمة، لا تملك فيها الدولة السورية سوى حضور رمزي، بينما يعاني السكان الدروز من فراغ أمني وهشاشة في البنية الدفاعية، ما يجعلهم عرضة لضغوطات متزايدة. هذا الواقع، بحسب التحليل، يخلق معضلة لإسرائيل: هل يمكنها الوثوق بقيادة سورية لا تستطيع تأمين أقلية ملاصقة لحدودها، بينما تقدم نفسها كشريك محتمل في معادلة الأمن الإقليمي؟
ويرى برعام أن الحل الأمثل يتمثل في ترتيبات انتقالية على الأرض، مثل السماح للدروز بتأسيس شرطة محلية تحت إشراف رمزي من النظام السوري، مع انسحاب وحدات الجيش النظامي الثقيلة، في خطوة ترمي إلى طمأنة السكان المحليين، والحفاظ على مظهر من السيادة السورية.
أما بالنسبة لإسرائيل، فإن أي تدخل عسكري مباشر يبقى مستبعداً وفقاً للخبير، نظراً لانشغال الجيش الإسرائيلي بجبهات أخرى أبرزها قطاع غزة، لكن ذلك لا يمنع من تنفيذ عمليات محدودة لحماية حدودها أو توجيه رسائل ردعية.
ختاما يؤكد برعام أن تل أبيب تقف على مفترق طرق استراتيجي، حيث تضطر إلى الموازنة بين عقلانية السياسة الخارجية وحدود التعاطف الداخلي. وفي ظل هذا التناقض، لا يبدو أن رهان إسرائيل على أحمد الشرع سيستمر ما لم ينجح الأخير في إثبات قدرته على ضمان استقرار الجنوب السوري، وطمأنة الدروز، دون أن يتحول إلى نسخة مكررة من نظام الأسد أو حلفاء إيران في دمشق.