منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير 2025، أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب حملة تجارية شرسة، تمحورت حول فرض رسوم جمركية واسعة النطاق، ما أدى إلى زعزعة الاقتصاد العالمي وإثارة توتر دبلوماسي بين واشنطن وشركائها التجاريين التقليديين.
ورغم الانتقادات الدولية، بدأت هذه السياسة في تحقيق مكاسب داخلية للولايات المتحدة.
الرسوم المفروضة أربكت الأسواق المالية، وتسببت في تراجع الدولار بنسبة 10% أمام سلة العملات العالمية، خصوصًا بعد إعلان ما يُعرف بـ”رسوم يوم التحرير” في أبريل، مما دفع صناديق يابانية كبرى إلى بيع سندات الخزانة الأميركية. هذا التراجع لم يؤدِ إلى تخفيض الأسعار كما كان متوقعًا، بل ساهم في زيادة كلفة الواردات الأميركية.
ورغم الفوضى الأولية، نجحت إدارة ترامب في تحويل التهديدات التجارية إلى أداة تفاوض فعالة. فعلى سبيل المثال، اضطرت اليابان إلى توقيع اتفاق يحمي قطاعها الزراعي ويضخ استثمارات بقيمة نصف تريليون دولار في السوق الأميركية، مقابل تجنب رسوم بنسبة 25% على صادراتها، ما أدى إلى تفكيك جبهة محتملة للرد المشترك بين اليابان والاتحاد الأوروبي وكندا.
اقتصاديًا، شكّلت الرسوم الجمركية مصدر دخل متزايد للخزينة الأميركية، حيث تجاوزت عائداتها منذ مطلع العام 100 مليار دولار، أي نحو 5% من إيرادات الحكومة، وهو ارتفاع لافت مقارنة بالنسبة المعتادة التي لا تتجاوز 2%. وتخطط الإدارة لإنهاء العام بمداخيل قد تصل إلى 300 مليار دولار دون اللجوء إلى رفع الضرائب المحلية.
لكن هذه المكاسب جاءت على حساب استقرار الدولار، حيث فقدت العملة الأميركية جزءًا من مصداقيتها كملاذ آمن، ما دفع مستثمرين كبار إلى تنويع استثماراتهم واللجوء إلى تحوطات ضد هبوطها، ما فتح الباب أمام منافسين مثل الصين لاقتراح بدائل نقدية مستقرة في التجارة الدولية.
رغم ذلك، تمكّن ترامب من فرض معادلة جديدة في العلاقات التجارية، تخلت فيها الدول عن العمل الجماعي لصالح اتفاقات ثنائية تصبّ في مصلحة واشنطن.
إلا أن الثمن كان باهظًا: نظام تجاري دولي هش، ودولار ضعيف، وبيئة عالمية تسودها الضبابية وعودة خطاب الحمائية، في مؤشر محتمل على بداية عصر “تفكك العولمة” لصالح قوى تفاوضية أحادية تهدد التوازن الاقتصادي العالمي.
تعليق واحد