آراءسياسة
أخر الأخبار

العالم في نجدة دمشق.. من جديد

أطلقت المحافل الخارجية رسائل التنديد بالانتهاكات التي شهدتها أحداث السويداء، لكنها جميعها التقت على رفض التدخل الإسرائيلي واستنكاره واستهجان قصف دمشق ومؤسسات النظام الجديد العسكرية والسيادية والرمزية...

بمواكبة حدث السويداء، نشطت آلة إعلامية ضخمة متعددة المصادر تجمع كافة المتضررين من التغيير في سوريا. تقاطعت معلومات “المنابر” على الترويج لـ “نهاية” الرئيس أحمد الشرع، وتأكيد تسريبات عن توافق دولي إقليمي عام للاهتداء إلى البديل المناسب.

كان أحد هذه المنابر التابعة لطهران قد بثّت أنباء عن اختفاء الرئيس وتعرضه لمحاولات اغتيال واحتمال عودة وجوه من النظام البائد.

ظهر أيضا أن استخدام اسم “الجولاني” بدل الشرع بات قاسما مشتركا يعتمده خصوم النظام الجديد جميعا من إيران إلى الفلول مرورا بفصائل “المحور”.

لكن الجديد، للمفارقة، أن منابر إسرائيل استخدمت الاسم أيضا على منوال الآخرين ليظهروا جميعا في لحظة ارتباك سوري في “نفس الخندق” تجمعهم مصالح مشتركة وتخادم متبادل.

غير أن غبار العبث وفوضى الإعلام الاجتماعي قد تبدد، بل جرى تبديده من قبل العواصم الكبرى المعنيّة مباشرة بالشأن السوري.

أطلقت المحافل الخارجية رسائل التنديد بالانتهاكات التي شهدتها أحداث السويداء، لكنها جميعها التقت على رفض التدخل الإسرائيلي واستنكاره واستهجان قصف دمشق ومؤسسات النظام الجديد العسكرية والسيادية والرمزية.

جرى أن 11 دولة في المنطقة تنادت لتصدر بيانا مشتركا واحدا وعاجلا، بدا أنه موجه إلى واشنطن، يرفض “الأمر الواقع” الذي تريد حكومة بنيامين نتنياهو فرضه من خلال سوريا على المنطقة برمتها.

اضطرت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى التسريب للإعلام الأميركي عن امتعاض الرئيس من “جنون” نتنياهو الذي “بات خارج السيطرة”. استدعى الأمر تموضعا أميركيا جديدا ليس بعيدا عما انتهجته الإدارة منذ إعلان ترامب من الرياض من شهرين رفع العقوبات الأميركية عن سوريا.

من ذلك التموضع تعبير الموفد الرئاسي الأميركي، توم برّاك، عن صدمة بلاده من الويلات التي شهدتها السويداء وعن ضرورة أن تتحمل الحكومة السورية مسؤولياتها.

لكن ذلك الموقف أُلحق بمواقف أخرى تؤكد استمرار دعم واشنطن للنظام الجديد الذي “تشكّل منذ 7 أشهر فقط”، وفق كلمات برّاك، ليعلن في تصريحات أخرى أن حكومة دمشق “لم تقف وراء انتهاكات السويداء”، ويتهم عناصر متنكرين من تنظيم داعش بارتكابها.

لم يكن تفصيلا أن تُعلن الرياض أنه “بناء على توجيهات” وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، تقرر عقد منتدى سوري سعودي للاستثمار في العاصمة دمشق.

جرى الأمر الأربعاء في عجلة هدفها سياسي أكثر من اقتصادي يرمي إلى التأكيد للسوريين كما للدائرتين الإقليمية والدولية على استمرار الدعم السعودي الذي ظهر مبكرا صباح يوم سقوط النظام السابق في 8 كانون الأول للتحوّل السوري. وبدا أن في الأمر قطع لعبث الإشاعات وقطع لآمال من يمنون النفس بالعودة إلى الزمن السابق.

لم يصدر عن العواصم الأوروبية ما يعاكس مواقفها الداعمة وحتى الراعية للتحوّلات السورية. بدا أن التدخل العسكري الإسرائيلي في بعده المفرط والخطير خالف رياحا كانت تنفخ باتجاه انتشال سوريا وجعل تحوّلاتها نهائية غيّرت من توازنات المنطقة.

بدا أيضا أن هذا التدخّل بالذات “أنقذ” من حيث لم يرمِ حرج حكومة دمشق من التورّط في فصل دموي جديد بعد ذلك في “الساحل” قبل أشهر.

مدّد الداعمون للتحوّلات السورية “فترة السماح” لنظام دمشق الجديد. وبدا أن على دمشق أن تطوّر من مقارباتها للحوكمة والعلاقة مع المكوّنات السورية جميعها والتمتع بالمرونة والرشاقة والمداخل الخلاقة لإعادة وصل ما قد انقطع.

ولئن يوفّر تقرير لجنة تقصي الحقائق بشأن أحداث الساحل فرصة للحكومة لإظهار سلوك الدولة، فإنه بات واضحاً أن التطبيع المدهش الذي حققته سوريا مع العالم الخارجي ليس كافيا لضمان منعة الدولة واستقرارها.

وبدا أن هذا الخارج بالذات بات يحتاج إلى استنتاج “تطبيع” دمشق علاقاتها مع البيت الداخلي، وهو (الخارج) من أجل ذلك، وحتى إشعار قد لا يكون بعيدا، يوفّر للنظام الدعم والاعتراف والنأي به عن آثام ما يُرتكب.

https://anbaaexpress.ma/c02nv

محمد قواص

صحافي وكاتب سياسي لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى