آراءسياسة
أخر الأخبار

نتنياهو.. الخائف من فقدان عدوه

انتصر نتنياهو. لكنه لا يريد أن يفقد إيران عدوا مثاليا لطالما أعانه على دفع المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين وحتى اليمين الأقصى

انتصر نتنياهو. هكذا يعمل رئيس الحكومة الإسرائيلية على تسويق نفسه أمام الرأي العام الداخلي. يحتاج إلى تظهير ذلك النصر لنهل مزيد من الشعبية داخل الكتلة الناخبة المحتملة إذا ما قرر المغامرة في تنظيم انتخابات برلمانية مسبقة.

ولئن يفاخر بذلك النصر رغم الضربات التي لم تعرفها إسرائيل منذ نشأتها، فإنه حريص على التلميح أن النصر ليس كاملا وقد يكون نسبيا تجادله به انتقادات داخلية تتنامى.

انتصر نتنياهو. لكنه لا يريد أن يفقد إيران عدوا مثاليا لطالما أعانه على دفع المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين وحتى اليمين الأقصى. وجد في إيران إلهاما يخيف به الإسرائيليين ويُسكت، بما يصدره قادة الجمهورية الإسلامية من تصريحات عدمية بحقّ بقاء إسرائيل، كافة الأحزاب والتيارات وحتى الأفكار المنافسة.

لا يضير الرجل أن يشكّك بعض الداخل بالنصر الذي يتبجّح به. طاب له سماع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زمير يتوعّد بأن قواته جاهزة للتصدي من جديد لأية محاولة إيرانية لإعادة بناء البرنامج النووي.

جاء وعد أهم في هذا الصدد من نائب الرئيس الأميركي، جي دي فانس، بأن ترميم إيران لمنشآتها ومشروعها وطموحاتها النووية ستضعها في مواجهة جيش بلاده “الأقوى في العالم”.

يبتسم نتنياهو لما أثار غضب الرئيس الأميركي دونالد ترامب. إعلام أميركا، أو بعضه المشاكس للترامبية، يشكّك بما حقّقه طيارو مقاتلات B2 الاستراتيجية ضد منشآت فوردة وناطنز وأصفهان. بعض تقارير أجهزة الاستخبارات الأميركية لا تتبنى رواية ترامب بشأن التدمير الكامل للأهداف الثلاث.

منها ما يتحدث عن تأخير البرنامج بضع سنوات ومنها ما هو أكثر قسوة ولا يرى في التأخير إلا بضعة أشهر. لم تدمر “أم القنابل” قنبلة إيران النووية عتيدة، ما يبقي إيران خطرا وجوديا ينهل منه نتنياهو بضاعة زعامة وبقاء.

تبدو إيران حاجة لنتنياهو. لا عدوَّ بمقاساتها بعدها. حتى أنها العدو الأسهل على التعامل معه. قدمت إيران له في خطابها الأيديولوجي ونبرة قيادييها وأنشطة أذرعها مادة مجانية لبناء عصبية قومية دينية حملته زعيما.

وفّرت إيران له مبررا شرعيا لمقابلة التهديدات بالرمي في البحر والتدمير الكامل والسحق العدمي بردّ عسكري شامل طال أذرعها وتمدد نحو داخلها بإجماع كامل المجتمع السياسي الإسرائيلي رغم تشظيه وانقسامه.

أتاحت إيران لنتنياهو تقديم إسرائيل ضحية لخطر وجودي استدرج دائما تعاطف الحلفاء ومددهم. وحين وقعت واقعة “طوفان الأقصى”، قدّم الكارثة بصفتها عملا إيرانيا كامل الأركان إلى درجة أن إيران ومرشدها ارتبكا في ردّ التهمة والنأي عن أي تورط بها.

ولئن نهل نتنياهو من الحدث الغزيّ مناسبة لحملة قضاء على “المحور”، فإن لحظة تاريخية نادرة احتاجها ترامب أتاحت له تحقيق خيار “اجتثاث” البرنامج النووي عسكريا الذي لطالما رفضته إدارات واشنطن خلال العقود الأخيرة.

أمام نتنياهو استحقاقات مقبلة يكرهها. يريد ترامب إنهاء حرب غزّة. باتت الحرب من دون رعاية أميركية. سحب الأوروبيون دعمهم لها. يتساءل مستشار ألمانيا عن مبرر استمرارها. ينقلب موقف بريطانيا ضدها.

فيما فرنسا تقترب من الاعتراف بدولة الفلسطينيين. فإذا ما فقد نتنياهو حرب غزّة وعداء إيران فما البضاعة التي تبرر استمرار وجوده.

لاحظ نتنياهو أن المنطقة برمتها انحازت لإيران ضد حربه ضدها. كانت دولها مجمعة قبل ذلك بأن إيران هي الدولة المزعزعة للاستقرار.

وباتت تبعث جميعها برسائل إلى ترامب في واشنطن بأن الاستقرار والازدهار والسلام الذي بشّر به حين زار الخليج مؤخرا بات مهددا ببقاء نتنياهو المزعزع الوحيد لاستقرار المنطقة وهدوئها.

لا مفرّ لنتنياهو إلا التنازل عن نصره المزعوم وجعله غير مكتملا يحتاج إلى حروب أخرى توفّر له استمرارا وبقاء.

https://anbaaexpress.ma/t0w33

محمد قواص

صحافي وكاتب سياسي لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى