دة. أميرة عبد العزيز
منذ عام 1963، أُدرجت الصحراء (الغربية) ضمن قائمة “الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي” التابعة للجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، كجزء من منظومة تصفية الاستعمار.
واليوم، بعد أكثر من ستة عقود، تتغير ملامح هذا التصنيف وسط تحولات جيوسياسية وتراجع ملحوظ في زخم أطروحة “تقرير المصير” التي ترفعها جبهة البوليساريو بدعم من الجزائر.
إن السؤال المطروح اليوم داخل الأوساط الدبلوماسية والبحثية لم يعد يدور حول مشروعية الموقف المغربي فقط، بل أيضًا حول مستقبل حضور هذا الملف داخل آليات الأمم المتحدة:
هل يسير المغرب نحو سحب الملف نهائيًا من اللجنة الرابعة؟
أم أن السيناريو الأكثر واقعية هو تجميده كمرحلة انتقالية تمهيدًا لنهاية تدريجية له؟
فيما يلي قراءة تحليلية للسيناريوهين، وقياس واقعيتهما من خلال سوابق دولية.
أولًا: الوضع الراهن للملف داخل الأمم المتحدة
• تُدرج اللجنة الرابعة سنويًا ملف الصحراء الغربية باعتباره “إقليمًا غير محكوم ذاتيًا”.
• تُعتمد توصيات تُؤكد على “حق تقرير المصير للشعب الصحراوي”، بناءً على القرارات الأممية الكلاسيكية من السبعينيات.
• ورغم ذلك، فإن قرارات مجلس الأمن – الأكثر تأثيرًا وشرعية – لم تعد تشير صراحة إلى “الاستفتاء”، بل تؤكد على الحل السياسي التوافقي، وتصف مبادرة الحكم الذاتي المغربية بـ”الجدية والواقعية والمصداقية”.
✦ السيناريو الأول: سحب الملف نهائيًا من اللجنة الرابعة
– المتطلبات:
• دعم صريح من أكثر من نصف أعضاء الجمعية العامة (97 دولة على الأقل).
• توافق ضمني مع الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن.
• تراجع جذري في عدد الدول المعترفة بالبوليساريو (حاليًا أقل من 30).
• إثبات أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي تُشكّل نهاية فعلية لمطلب تقرير المصير التقليدي.
– السوابق المقارنة:
• ملف كشمير: الهند نجحت في وقف طرحه داخل المنظمات الأممية رغم الطابع المتنازع عليه، لكنها لم تسحبه رسميًا من الأمم المتحدة، بل فرضت أمرًا واقعًا محليًا ودوليًا.
• قبرص الشمالية: الأمم المتحدة لا تعترف بها، والملف بقي حبيس مجلس الأمن دون أن يتم سحبه، رغم مرور 50 عامًا من الأمر الواقع.
– نقاط القوة:
• المغرب يتمتع بدعم قوى إقليمية كبرى (فرنسا، إسبانيا، الولايات المتحدة).
• أكثر من 80 دولة سحبت اعترافها بالبوليساريو.
– نقاط الضعف:
• سحب الملف يتطلب قرارًا سياسيًا صريحًا داخل الجمعية العامة، وهو ما قد تُواجهه الجزائر بجبهة مضادة قوية (إفريقيا الجنوبية، كوبا، نيجيريا…).
• الصدام القانوني مع الأطروحة الأممية قد يُستغل لخلق تعبئة إعلامية ضد المغرب.
✦ السيناريو الثاني: تجميد الملف داخل اللجنة الرابعة
– ماذا يعني التجميد؟
هو الامتناع عن إدراج الملف في جدول أعمال اللجنة الرابعة، أو عدم التصويت عليه سنويًا، دون سحب الاعتراف به رسميًا. يُعتبر هذا تجميدًا فعليًا للنقاش الأممي حول الملف.
– الخطوات:
1. تنسيق دبلوماسي مع حلفاء لطلب “إلغاء أو تأجيل النقاش”.
2. ضمان أغلبية 100 دولة تؤيد التجميد أو ترفض التصويت السنوي.
3. الدفع بأن الملف بات نزاعًا سياسيًا داخل سيادة دولة، وليس استعمارًا كلاسيكيًا.
– أمثلة واقعية:
• جزر فوكلاند: لم تُحذف من اللجنة الرابعة، لكنها لم تُناقش فعليًا منذ عقود.
• غوام وجزر فيرجن الأمريكية: ما زالت على قائمة تصفية الاستعمار، لكن الأمم المتحدة لم تُعد تتناولها بجدية.
• نيو كاليدونيا: رغم فشل الاستقلال في الاستفتاءات، لا يزال الملف قائمًا شكليًا، لكن النقاش الدولي حوله تقلص.
– نقاط القوة:
• لا يُحدث صدامًا صريحًا في الأمم المتحدة.
• يضعف حضور البوليساريو إعلاميًا ودبلوماسيًا.
• يُسهّل مستقبلاً الخروج الكامل من لجنة تصفية الاستعمار.
– نقاط الضعف:
• لا يمنع البوليساريو من مواصلة نشاطها في الاتحاد الإفريقي أو داخل المجتمع المدني الأممي.
• قد يُفسر بأنه تساهل مغربي وليس حسمًا نهائيًا
للملف
التجميد خطوة استراتيجية نحو السحب
في السياق السياسي الحالي، يبدو أن تجميد الملف داخل اللجنة الرابعة يُشكّل الخيار الواقعي الأقرب للتحقيق على المدى القريب، خاصة إذا استثمر المغرب زخم الدعم الدولي للحكم الذاتي، وواصل توسيع دائرة الدول غير المعترفة بالبوليساريو.
هذا السيناريو لا يمنح فقط المغرب مساحة دبلوماسية لتعزيز السيادة الواقعية على الإقليم، بل يُمهّد أيضًا لسحب الملف نهائيًا مستقبلًا، بمجرد استكمال الحسم القانوني والسياسي عبر الأمم المتحدة