آراء
أخر الأخبار

لماذا يأمرنا القرآن بطاعة الرسول ولايذكر طاعة النبي؟

التمييز القرآني بين "النبي" و"الرسول" ليس مجرد دقة لغوية، بل يحمل دلالات عميقة تتصل بفهمنا للإيمان، ولطبيعة العلاقة بين الوحي والعباد، وبين القيادة والاتباع، وبين الرسالة الإلهية والتشريع البشري

في سياق الخطاب القرآني، نجد تركيزًا ملحوظًا على طاعة “الرسول”، إذ تكررت الآيات التي تأمر بطاعته وتربط طاعته بطاعة الله سبحانه وتعالى، مثل قوله تعالى :”من يطع الرسول فقد أطاع الله” (النساء: 80)، وقوله :”وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون” (النور: 56)، بل وجعلت طاعته شرطًا في الإيمان والرحمة والهداية.

في المقابل، لا نجد في القرآن أمرًا مباشرًا بـ”طاعة النبي”، رغم أن النبي والرسول قد يكونان شخصًا واحدًا، كما في حالة محمد صلى الله عليه وسلم. فما وجه هذا التفاوت؟ ولماذا اختار القرآن هذه الصيغة تحديدًا؟

للوهلة الأولى، قد يظن القارئ أن النبي والرسول كلمتان مترادفتان، ولكن التدقيق في السياق القرآني واللغوي يكشف عن فروق دقيقة بين الصفتين. فـ”النبي” هو إنسان اصطفاه الله بالوحي، وقد يكون مأمورًا بالتبليغ أو لا، أي قد يُكلف بإبلاغ الناس شرعًا جديدًا، أو يُكلف بتذكير قوم مؤمنين بشرع سابق.

أما “الرسول”، فهو نبي زاده الله تكليفًا بالرسالة، أي أُرسل إلى قوم غالبًا ما يكونون معرضين أو كافرين، وكُلف بالدعوة وإقامة الحجة عليهم، وتبليغهم ما أمر الله به، وتحذيرهم من العذاب إن هم كذبوا.

من هنا يتضح أن صفة “الرسول” ترتبط بمهمة محددة تتعلق بـ التشريع والتبليغ والتنفيذ، وهي المهمة التي تستدعي الطاعة والاتباع والانقياد. فالرسول لا يبلغ عن نفسه، وإنما يبلغ عن الله، ولهذا كانت طاعته من طاعة الله، ومعصيته من معصية الله، كما جاء في قوله تعالى”: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا (الحشر: 7)، وقوله”: قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حُمّل وعليكم ما حُمّلتم (النور: 54.(

أما حين يُذكر “النبي” في القرآن، فإن السياق غالبًا ما يكون متعلقًا بوصفه الشخصي، كقائد أو زوج أو عبد لله، كما في قوله تعالى:النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم” (الأحزاب: 6)، أو في تعامله داخل الأسرة”: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك(التحريم: 1).

في هذه السياقات، تُبرز الآيات جوانب من شخصية النبي صلى الله عليه وسلم، لا من وظيفته التبليغية، ولذلك لم يُطلب من الناس “طاعة النبي” في هذا الإطار، لأن الطاعة المقصودة هنا هي الطاعة المرتبطة بما يبلغ من أمر الله، وهي وظيفة “الرسول”.

وقد عبّر العلماء عن هذا الفرق بقولهم: “كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولًا”. والنبي قد يُبعث لتذكير قوم مؤمنين، فلا تكون الطاعة في حقه تكليفًا ثقيلًا، بينما يُبعث الرسول إلى قوم غالبًا ما يعارضونه أو يكذبونه، ويطلب منه إقامة الحجة، وقد يترتب على تكذيبه عذاب دنيوي، كما في قصص قوم نوح وعاد وثمود وفرعون وغيرهم.

هذا الفهم يُعمّق وعينا بلغة القرآن ودقته البيانية. فحين يخاطبنا القرآن بوجوب طاعة “الرسول”، فهو يخاطبنا بوجوب الالتزام بالشريعة التي جاء بها، وبما أمر به وبلّغه، لأنه لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى. فطاعته ليست طاعة لرأي شخصي، بل طاعة لله عبر لسان رسوله.

والأمر لا يقتصر على زمن الرسالة، بل يمتد إلى بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، فاتباع سنته والاقتداء بأوامره ونواهيه هو امتداد لطاعة الرسول، ومن ثم طاعة الله.

إن هذا التمييز القرآني بين “النبي” و”الرسول” ليس مجرد دقة لغوية، بل يحمل دلالات عميقة تتصل بفهمنا للإيمان، ولطبيعة العلاقة بين الوحي والعباد، وبين القيادة والاتباع، وبين الرسالة الإلهية والتشريع البشري.

https://anbaaexpress.ma/8staw

محمد بوفتاس

كاتب صحفي وسيناريست مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى