كشفت تقارير استخباراتية إسبانية عن ارتباط وثيق بين عناصر تابعة لجبهة ميلشيا “البوليساريو” الانفصالية وتنظيمات إرهابية تنشط في منطقة الساحل، وعلى رأسها “داعش” و”القاعدة”، مما يعيد طرح الأسئلة القديمة الجديدة حول حقيقة هذه الجبهة وامتداداتها الإيديولوجية والعسكرية في منطقة تعج بالتوترات.
فبحسب صحيفة La vanguardia الإسبانية، وصحيفة la razón تمكن نحو عشرة عناصر من الميلشيا من الوصول إلى مواقع قيادية في صفوف التنظيمات المتشددة، ما يرفع منسوب التهديدات الأمنية ليس فقط في محيط الساحل الأفريقي، بل في قلب أوروبا نفسها، خاصة في ظل إتقان هؤلاء للعربية والإسبانية، ومعرفتهم العميقة بالثقافة الأوروبية نتيجة استضافتهم سابقاً ضمن برنامج “عطلة في سلام”.
وتعكس هذه المعطيات الخطيرة، التي تضاف إلى تقارير استخباراتية وقضائية متفرقة من إسبانيا وأمريكا، أن البوليساريو لم تعد مجرد حركة انفصالية ذات خطاب سياسوي كلاسيكي، بل باتت، بحسب المحللين، تمثل تهديداً أمنياً عابراً للحدود، سواء من خلال الانخراط المباشر لعناصرها في أعمال إرهابية، أو من خلال شبكات الدعم والتمويل والتهريب التي تمتد من تندوف إلى عمق الساحل، بتسهيلات تُثير علامات استفهام حول دور النظام الجزائري في احتضان هذه الكيانات.
وتأتي هذه التقارير في وقت تتصاعد فيه المطالب داخل الأوساط الغربية بتصنيف البوليساريو تنظيماً إرهابياً، خاصة بعد اتهامات صريحة لها من قبل مراكز أبحاث أمريكية مرموقة كمركز هدسون، الذي أشار إلى “أدلة حاسمة” على انخراط الميلشيا في أنشطة إرهابية وارتباطها بمحاور إقليمية تهدد الاستقرار.
الأخطر في القضية أن الجبهة لم تكتف بالعلاقات الفكرية أو التعبوية مع هذه التنظيمات، بل باتت بحسب عدة تقارير منخرطة في تجارة السلاح والطائرات المسيرة القادمة من إيران، وهو ما يضعها في خانة التهديدات المعقدة ضمن معادلات الأمن القومي الغربي.
وبينما تتسع دائرة التقارير التي تتحدث عن تجنيد الأطفال في مخيمات تندوف وتحويلها إلى بؤر للتلقين الإيديولوجي والتدريب شبه العسكري، يتفاقم الوضع الإنساني في هذه المخيمات وسط تنديد حقوقي واسع، ودعوات ملحة لفتح تحقيق دولي بشأن الانتهاكات المرتكبة بحق ساكنة المخيم.
إن تحول البوليساريو إلى كيان ذي صلات عضوية بالتنظيمات الإرهابية العابرة للحدود يكشف عمق الانزلاق الذي تعيشه هذه الجبهة، ويوضح أن استمرار غضّ الطرف عنها، سواء بدافع “الشرعية التاريخية” أو “المظلومية الإنسانية”، لم يعد مقبولاً في السياق الأمني الراهن.
ففي منطقة الساحل، حيث تتقاطع الفوضى مع الاستراتيجية، لم يعد بالإمكان التفريق بين من يحمل السلاح باسم التحرير ومن يستخدمه باسم “الجهاد”، خاصة إذا اتحدت الأجندات واختلطت المصالح.
ولعل إدراج الجبهة على قوائم الإرهاب وهو خيار يبدو مطروحاً بقوة في واشنطن ومدريد، سيعيد ترتيب الأوراق في المنطقة، ويضع حداً لحالة التواطؤ الضمني التي تغض بها بعض العواصم الطرف عن ممارسات ميلشيا البوليساريو المدعومة من النظام العسكري الجزائري، رغم علمها الكامل بما يجري في تندوف وما حولها.
في المحصلة، نحن أمام لحظة مفصلية، فإما أن تتم مقاربة الملف من زاوية القانون الدولي والواقع الأمني، وإما أن يستمر التواطؤ، وتدفع أوروبا لاحقا ثمن التغاضي عن سرطان يتمدد على مرمى حجر من حدودها.