آراءسياسة
أخر الأخبار

العقائد المتتابعة.. لإسقاط النظام في إيران “تحليل”

.. ساهمت، على الأقل في حالتي العراق وأفغانستان، في حدوثه. ودفعت مالا ودما ومواقف لعدم حدوثه في الحالة السورية. ولئن نجحت في إنتاج عقائد للبقاء منذ قيامها عام 1979، فإن في طهران من يقلق من عقائد داهمة تجعل من عقائدها متقادمة وخارج قواعد العصر.

لم تكن إسرائيل تؤمن باتفاق يقيّد ويراقب طموحات البرنامج النووي الإيراني. كرهت اتفاق فيينا، عام 2015، الذي أُبرم إثر صفقة ثنائية دبّرتها محادثات خلفية في مسقط بين طهران وواشنطن في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما.

استفادت إسرائيل من مناخ إقليمي أخذ على أوباما وإدارته عدم أخذ هواجس المنطقة بعين الاعتبار وعدم إشراكها أو حتى استشارتها في ما يعتبر أساسا للأمن الاستراتيجي لها. عاش الاتفاق 3 سنوات قبل أن يقذف به دونالد ترامب عام 2018 خارج اهتمامات واشنطن والتزاماتها.

لم تكن إسرائيل وحدها من كره هذا الاتفاق. بدا أن الدولة العميقة في الولايات المتحدة اكتشفت لاحقا وهن هذا الاتفاق وركاكته على النحو الذي لم يسمح للرئيس الديمقراطي جو بايدن بإعادة إنعاشه. وعد الأخير أثناء حملته الرئاسية لخلافة الولاية الأولى لدونالد ترانب أن ينقلب على قرارات الرئيس الجمهوري، بما في ذلك العودة إلى اتفاق فيينا.

كاد يقسم أن يعود إلى الاتفاق بمرسوم رئاسي كما خرج ترامب منه بمرسوم رئاسي. لكن بايدن، ابن المؤسسات الأميركية وابن الدولة العميقة، لم يفعل، وفشل مفاوضوه في إصلاح اتفاق فيينا ودفع طهران لإدخال تحديثات عليه.

بالنسبة لإسرائيل، فإنها تخشى أي اتفاق حتى لو جاء برعاية الحليف دونالد ترامب. واكبت جلسات التفاوض الخمس بقلق متمنية إنهيار فكرة التفاوض وانضمام واشنطن إلى ما تدعو إليه إسرائيل من تدمير كامل لكل البرنامج النووي. وصلت عقيدة نتنياهو في هذا الشأن إلى درجة عدم الاكتفاء بمطلب تصفير تخصيب اليورانيوم.

تقوم تلك العقيدة على فكرة مفادها أنه طالما هناك برنامج نووي فإن هناك احتمالا دائما بأن تصنع إيران قنابلها النووية. وما تقدمه تلك العقيدة من حلّ يكمن في تفكيك البرنامج النووي برمته على منوال ما انتهى إليه البرنامج الليبي عام 2003.

تماشى ترامب مع عقيدة نتنياهو على مستوى تجريبي خطير. احتاج إلى عامل عسكري ضاغط يحسّن من أوراق مفاوضه ستيف ويتكوف على طاولة مسقط. بدا أن انسداد الخيار الدبلوماسي يعود إلى تطوّر صقوري طرأ على الموقف الأميركي نفسه قد يكون قد تأثّر مسبقا بتقييم نتنياهو وعقيدته.

لم تعد واشنطن تقبل لإيران بنسبة تخصيب لليورانيوم متواضعة لا تتجاوز 4 بالمئة مقابل نسبة 60 بالمئة حققتها إيران بشكل علني بعلم الوكالة الدولية للطاقة الذرية. حتى أن ويتكوف نفسه فاجأ نفسه قبل أن يفاجأ إيران بالإعلان عن أنه لم يعد مقبولا لإيران أن تخصّب اليورانيوم حتى بنسبة 1 بالمئة.

ليس الأمر مناورة تفاوض على ما كانت إيران تردد. كرر ترامب وأكد أن لا تخصيب لليورانيوم داخل إيران ما وضع لنفسه ولمفاوضه سقفا لم يعد بالامكان التراجع عنه.

اكتشف رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أنه لا توجد دولة في العالم لديها برنامج نووي للأغراض المدنية تخصّب بالنسب التي وصلت إليها إيران.

فيما استفاق مجلس المحافظين التابع للوكالة على إدانة إيران بعد سنوات من التردد والتلكؤ، بما اعتبر مؤشرا إلى قرب سحب الاتفاق من مجموعة الـ 5+1 باتجاه مجلس الأمن وأعادة العقوبات الأممية إلى ما كانت عليه قبل الاتفاق. لم تتراجع إيران لا بل اتّخذت مواقف انتقامية بدت أنها اخترقت خطوطا حمر.

تقوم العملية العسكرية الإسرائيلية في لحظة احتاجت فيها واشنطن إلى تغيير قواعد اللعبة. يريد ترامب العودة إلى طاولة المفاوضات معوّلا على تغير في مواقف خصم أنهكته الضربات الإسرائيلية. وطالما أنها لحظة يجوز بها تغيير القواعد، فإن إسرائيل تطوّر عقيدتها، وخلال الأيام التي تلت بدء عملياتها العسكرية.

كانت عقيدة نتنياهو تعتبر أن ضمان عدم اقتناء إيران للخطر النووي يحتاج إلى إزالة البرنامج النووي. باتت إسرائيل تميل إلى نظرية مفادها أن إزالة البرنامج النووي بات يحتاج إلى إزالة النظام السياسي للجمهورية الإسلامية.

تعوّل إسرائيل على المفاعيل التي يمكن أن تحدثها حربها ضد إيران لإطلاق دينامية تغيير داخل إيران سواء من خلال تمرد شعبي عام أم من خلال انقلاب النظام على نفسه. تعوّل على المفاجآت التاريخية التي تُحدثها الحروب وفق منطق الفيلسوف الألماني فريدريش هيغل. تعوّل على لحظة غير مفهومة أسقطت الاتحاد السوفياتي يوما وأسقطت النظام السوري السابق حديثا.

غير أن أمرا كهذا لا يُترك للصدفة التاريخية، بل يحتاج إلى قرار ولحظة دولية وتضافر قوى سبق لها أن أسقطت أنظمة في العالم في العقود الأخيرة. وحتى الآن لا شيء يشي بأن الغرف الكبرى تدبّر ورشة ضخمة تهدف إلى إنهاء ساحق لحكم الوليّ الفقيه المتمدد منذ 46 عاما. لكن للتاريخ نزوات وأمزجة تخرج عن همس الغرف وحساباتها.

إيران نفسها ليست بعيدة عما تفوح به العقائد المتدافعة. تأملت حولها خلال العقود الأخيرة إنهيار أنظمة عديدة في المنطقة.

انتشت للأمر حينا. ساهمت، على الأقل في حالتي العراق وأفغانستان، في حدوثه. ودفعت مالا ودما ومواقف لعدم حدوثه في الحالة السورية. ولئن نجحت في إنتاج عقائد للبقاء منذ قيامها عام 1979، فإن في طهران من يقلق من عقائد داهمة تجعل من عقائدها متقادمة وخارج قواعد العصر.

https://anbaaexpress.ma/us6ei

محمد قواص

صحافي وكاتب سياسي لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى