آراءسياسة
أخر الأخبار

إيران على مائدة الكبار.. جائزة بلا فائزين

أسهم موسكو و بكين في بورصة تقسيم إيران

كان تفضيل سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي استخدام وصف “القدس الغربية” بدل أورشليم، في بيان إدانة بلاده للحرب الإسرائيلية ضد إيران، كشف حساب مُبكِّر للأرباح و الخسائر المنظورة أمام الراغبين في الاستثمار الجيواستراتيجي لحدث الـ 13 من يونيو.

جاء ذلك في شكل سخرية باردة كي يُساهم في قراءة هذا الحدث الساخن بدرجةٍ معتدلة في نشرة طقس ردود أفعال المجتمع الدولي.

الدبلوماسية الروسية المشهورة في عهد الرئيس فلاديمير بوتين بأسلوب “الفوضى جيَّدة لكن الحرب سيئة”، وفَّرت للرئيس الأمريكي دونالد ترامب فُسحة كي يُفرقع النجاح الإسرائيلي المُدهش أمام الميكروفونات و منصات السوشيال، إذ أن حدث الـ 13 من يونيو كان بالنسبة للروس “نُسخة شرق أوسطية من عملية شبكة العنكبوت الأوكرانية التي جرت في الأول من يونيو ضِدَّهم”.

ترامب الذي ظهر بعد يوم من انطلاق أعمال قمة السبع في كندا للمشاركة فيها، حاول مغازلة موسكو قائلاً ما مفادُه “لو كنت رئيساً حينها لكانت روسيا موجودة بيننا اليوم”. البيان الختامي للقمة دعا تل ابيب و طهران إلى ضبط النفس كذلك اعترف بحقِّ الأولى في الدِفاع عن نفسها، رفض الرئيس الأمريكي التوقيع عليه رغم خلوه من أي مضمونٍ عملي.

أعلن أيضاً انفتاحه على أن يقوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدور “الوسيط” بين تل ابيب و طهران، و إقناع الأخيرة بالعودة إلى طاولة المفاوضات النووية. الأوربيون رفضوا ذلك بشدَّة.

الرئيس الفرنسي ماكرون استعان بالحرب الروسية على أوكرانيا في مرافعته أمام ترامب، أمّا المستشار الألماني فريدريش ميرتس فقد انتظر الـ 18 من يونيو ليختصر المسألة بجملةٍ أُرجِّح بأنها ستكون مرجعاً في السجلات التاريخية “هذا عمل قذر تقوم به إسرائيل بالنيابة عنا جميعاً”.

ترامب و قبل أن يغادر قمة السبع بيومٍ واحد أغرق فكرة الوساطة الروسية و رجوع موسكو إلى أحضان مجموعة السبع، لتعود إلى وضعها قبل أحد عشر عاماً كمجموعة الثمانية “أنا لا أقول إنه – يقصد بوتين – يجب أن يكون موجوداً الآن فقد عبرت السد كمية كبيرة من المياه”. موسكو و في نفس اليوم الذي اطلق فيه المستشار الألماني جملته التاريخية، حذَّرت الرئيس ترامب من المشاركة في الحرب الإسرائيلية على إيران “لا تُفكِّر في هذا الأمر”.

دبلوماسية الصين بعد الـ 13 من يونيو

بكين و لحدِّ كتابة هذا المقال، تحافظ على إعراب بياناتها الدبلوماسية ذات العلاقة بالحرب الإسرائيلية على إيران، وفق قواعد القانون الدولي. يبدو موقفها غير متسق جيواستراتيجي بالمرَّة مع أهمية طهران في حساباتها كشريكٍ استراتيجي شامل، من ملف الطاقة إلى مبادرة الحزام و الطريق، إضافة إلى دورها كحزامٍ أمني للمصالح الصينية، خاصة في آسيا الوسطى و منطقة البحر الأحمر.

أيضاً، تلعب طهران بالشراكة مع القاهرة – حاولت بكين تحفيزها في الآونة الأخيرة – ثقلاً وازناً في تصورات الصين عن نظام شرق أوسطي مستقر، و أحد احجار الزاوية في الحفاظ على استقرار سلاسل التوريد اللوجستية و إمدادات الطاقة العالمية “مضيق هرمز و قناة السويس”.

بكين سخَّنت دبلوماسيتها قليلاً بالموقف الباكستاني، و على لِسان خواجة محمد آصف وزير الدفاع المرتفعة حظوظه شعبياً، بعد أن نجح سلاح الجو الباكستاني من إسقاط عدَّة طائرات هندية في النزاع الأخير و المزمن بين البلدين بخصوص قضية كشمير، قبل شهر تقريباً. باختصار كان الطيار باكستانياً و طائرتهُ صينية. اتمنى على القارئ وضع خطَّين تحت مفردة طائرة. بكين على الأرجح و ربّما حتى قبل نشر هذا الموضوع سترفع درجة الحرارة الدبلوماسية لحدث الـ 13 من يونيو في مطبخ الأمم المتحدة.

أسهم موسكو و بكين في بورصة تقسيم إيران

البطء الصيني و الروسي في تحريك دولاب الدبلوماسية لرفع حظوظ طهران، يتناسب بشكلٍ عكسي مع سرعته عند واشنطن تجاه خفض حظوظ طهران، و التي حذَّرت على لِسان الرئيس ترامب بأنها تُطالب الأخيرة بـ “استسلام غير مشروط”.

كما إنَّ إسرائيل رفعت سقف الرهان من إسقاط نظام الملالي إلى أمنية تفكيك الدولة الإيرانية، حتى و لو باستخدام السلاح النووي – تحديداً و كما اعتقد قنابل نووية تكتيكية – لإنتاج نُسخة إيرانية من ناغاساكي و هيروشيما اليابانيتين عام 1945.

هكذا فإن الحديث عن تدمير منشأة فوردو باعتبارها قلب المشروع النووي بمساعدة القاذفات و القنابل الأمريكية الخارقة للتحصينات مجرَّد قُنبلة دُخان للحصول على تفويض أمريكي باستخدام النووي. سقوط نظام آيات الله لن يُنتِج سوى نُسخة إسرائيلية شبيهة بالسابع من أكتوبر الفلسطينية، و التي من الممكن أن تُسرِّع من تداعيات الأخيرة بدل استئصالها و هذا الآن خارج سياق المقال.

الإسرائيليون كانوا قد سرَّبوا عبر طبيب عيون ليس له تاريخ معروف كـ كاتب، إمكانية لجوئهم إلى خيار “شمشون النووي” في الـ 15 من يونيو.

تقسيم إيران المفترض حدوثه كتداعيات، فيه فُرص استراتيجية لواشنطن و تل ابيب باستيلاد دولة “كردستان الكبرى”، حصول أنقرة على أذربيجان الإيرانية – حتى و لو بالشراكة مع جمهورية أذربيجان – التي يقطنها عشرات الملايين من ذوي الأصول التركية، و بالتالي قُدرة أكبر للناتو على أن يمارس ثقلاً على الحدود الآسيوية لروسيا و تقليص حجمها الدولي إلى مجرَّد “لاعب إقليمي كبير”.

أمّا بالنسبة للصين فهو يعني ضربة قاتلة لأهم مبادراتها العالمية؛ أي مبادرة الحزام و الطريق. و أسلمة معادية للجغرافيا باتجاه غرب الصين. واشنطن و تل ابيب لن تتأخرا طويلاً في ترجمة الورقة الكردية على الجغرافيا الإيرانية، إفراغ النفوذ التركي في سوريا من أي معنى، و تسوية ملف غزة فالأرباح وفيرة و التكاليف وكلاء محليون.

ارتفاع نسبة الرهانات يشي و لو بمنطقٍ مُتخيَّل لا حرج فيه عند تصوَّر السيناريوهات، بأن واشنطن حصلت على موافقة بكين و موسكو لتقاسم النفوذ في إيران، و ضمان خروج نظام الملالي كدُخان من موقد السياسات الإيرانية. ختاماً، الجميع لديه فُرصة إلَّا غزة و الدول العربية.

https://anbaaexpress.ma/b9pr6

مسار عبد المحسن راضي

كاتب صحافي وباحث عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى