آراء
أخر الأخبار

“لم تقع إصابات أو أضرار”.. حول السرديات الإعلامية وتأطير الوعي

ومع تصاعد الهجمات الإيرانية، واستمرار المراسلين في اعتماد هذا النهج الإعلامي، بدأ يطفو على السطح تغيير في استجابة المتلقي الإسرائيلي الذي يعيش في قلب الحدث.

فايز أبو رزق

يسجل في الحروب جميعها التي شنتها الدولة العبرية على الدول العربية أو ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وقوف الإعلام الإسرائيلي الرسمي كفرقة عسكرية مساندة بجانب جيش الاحتلال.

حيث يتولى المراسلون الذين ضربوا بعرض الحائط أخلاقيات ومبادئ مهنة الصحافة، مهمة تزييف الحقائق وتبرير الجرائم المرتكبة ضد الآخر.

ورغم ذلك ما تزال الامبراطورية الإعلامية في إسرائيل تهيمن على تشكيل الوعي الشعبي الإسرائيلي، لكن توسع وسائل التواصل الاجتماعي وتعدد المصادر للخبر الواحد أظهرا لنا أن هناك بعض السرديات أصبحت غير مناسبة للنقل المتكرر، قبل عدة سنوات، عندما كنا نسمع عن وقوع عملية فدائية هنا أو هناك، كنا ننتظر بشغف نشرة الأخبار للحصول على تفاصيل حول الحدث لعلها تروي فضولنا وتمدنا ببعض الطاقة الايجابية لرفع المعنويات الوطنية.

لكن مع متابعتنا لتغطية الحدث في وسائل الإعلام الإسرائيلية ” المسموعة”، سواء باللغة العربية أو بالعبرية، كنا في نهاية الخبر نصاب بخيبة أمل.

فقد أستخدم الإعلام الإسرائيلي وبتعليمات من جهاز الأمن العام الإسرائيلي “الشاباك” أساليب تخدم أجندته الخاصة.

وقد وثقت هذه الأساليب في كتابي الأول “الإعلام الإسرائيلي بين الحقيقة والتزييف”.

ومن أمثلة هذه الأساليب استخدام عبارات مثل: “بمعجزة لم تقع إصابات أو أضرار”، أو “يقظة قوات الأمن حالت دون وقوع كارثة”، أو حتى التركيز على وقوع إصابات طفيفة أو “مقتل امرأة في الثمانين من عمرها”، أو القول إن “المنفذ تم تحييده دون إصابات بين قوات الجيش الإسرائيلي”.

العبارات السابقة ليست مجرد كلمات مراسل مرتجلة، بل هي أدوات إعلامية واستراتيجيات نفسية ممنهجة تهدف إلى ترسيخ رواية محددة بغرض تحقيق أهداف متعددة.

وفي سياق النظريات الإعلامية تتقاطع هذه الأدوات والأساليب الإعلامية المستخدمة مع عدة نظريات مثل “التأطير الإعلامي أو التحيز الإعلامي أو التهيئة” وبدون التوسع في شرح هذه النظريات يمكن القول إنها عملية اختيار وتقديم الأخبار بطريقة تخدم أجندة معينة، سواء من خلال التركيز على بعض الجوانب أو التعتيم على أخرى. هذا النهج يسعى إلى التأثير على كيفية تفسير الجمهور للأحداث.

ويكون الهدف الأساسي لهذا الخطاب الإعلامي الإسرائيلي إحباط معنويات الفلسطينيين وترويعهم، وتصوير المنفذ على أنه ضعيف و عاجز، بالإضافة إلى تعزيز ثقة الإسرائيليين بقوات أمنهم وتكريس صورة الجيش الإسرائيلي وكأنه “القوة التي لا تقهر”.

هذا الأسلوب الإعلامي ظل ثابتا دون تغيير أو تجديد، وامتلك تأثيرا متفاوتا على المتلقي العربي الفلسطيني، وكان يصدقه المتلقي الإسرائيلي نظرا لثقته بالمراسلين المحليين الذين ينتمون إلى مجتمعه، وبالطبع لا ننسى تأثير الرقابة العسكرية في إسرائيل التي تفرض قيودا صارمة على وسائل الإعلام، خصوصا خلال الحروب.

ومع تصاعد الهجمات الإيرانية، واستمرار المراسلين في اعتماد هذا النهج الإعلامي، بدأ يطفو على السطح تغيير في استجابة المتلقي الإسرائيلي الذي يعيش في قلب الحدث. هذا المتلقي يشاهد منذ أيام آثار الهجمات الإيرانية، لم يعد يتقبل الروايات الرسمية بسهولة كما كان في السابق، بسبب

التناقض الواضح بين التصريحات الرسمية وما توثقه كاميرات الإسرائيليين ومنشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

ورغم الإجماع القومي في إسرائيل على ضرورة إزالة الخطر النووي الإيراني، فإن هذا التحول يعكس أزمة ثقة بين الجمهور والإعلام في إسرائيل.

الأسطوانة التقليدية التي يرددها و يكررها الإعلاميون الإسرائيليون مثل حسن أبو زايد ودورن كادوش وإيال عليمة وكارميلا منشيه وعميت سيغل، وغيرهم، حول “المعجزة” التي طالما استخدمت لإظهار التفوق، بدأت تتلاشى تدريجيا، خصوصا مع انتشار منصات بديلة تقدم روايات أكثر دقة ومصداقية.

هذه الأزمة ليست مجرد تحد للإعلام الإسرائيلي التقليدي، بل تعد اختبارا حقيقيا لقدرة هذا الإعلام على التكيف مع عصر التكنولوجيا والمعلومات المفتوحة وتطور الإعلام الرقمي.

وفي مواجهة هذه التحديات، وللسيطرة على تدفق المعلومات، طلب مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي بتاريخ 20-6-2025 من وسائل الإعلام الأجنبية منع البث المباشر من أي موقع سقوط “صواريخ ما لم يتم الحصول على موافقة مسبقة من الرقابة العسكرية”. وفي اليوم نفسه.

أصدر وزيرا الاتصالات والأمن القومي الإسرائيليان بيانا مشتركا حذرا فيه من أن “أي بث يجرى بدون تصريح مناسب من مناطق القتال أو أماكن سقوط الصواريخ سيعتبر جريمة جنائية وانتهاكا لأنظمة الرقابة”.

فهل يستطيع الإعلام التقليدي الإسرائيلي التكيف مع هذه التحولات السريعة؟ أم أن منصات التواصل الاجتماعي ستفرض نفسها كمصدر رئيسي أقرب إلى الحقيقة؟

وهل يتمكن الإعلام الفلسطيني من توظيف واستثمار هذه التحولات في كشف المعميات والتأكيد على الرواية الفلسطينية بشكل أكثر قوة وتأثيرا.

* صحفي وكاتب من غزة

https://anbaaexpress.ma/8lk3i

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى