الشيماء عبدالرحمن
أنجمينا- عالم غالباً ماتحدد فيه المسارات المهنية بحدود الجنس والتقاليد، تبرز قصص استثنائية تُذكرا بأن الإرادة تصنع المستحيل. ومن بين هذه القصص الملهمة، تتألق الشابة “جمعية الصافي عثمان”، كاول طيارة عسكرية تشادية تخرجت من أكاديمية كراسنودار في روسيا.
إنها قصة إلهام تكتب فصلاً جديداً في تاريخ بلادها، وتصبح رمزاً للتمكين والتفوق في سماء طالما سيطر عليها الرجال.
من فصول أنجمينا الدراسية إلى قمرة قيادة كراسنودار
بدأت جمعية الصافي عثمان، البالغة من العمر 24 عاماً، رحلتها المميزة في ثانوية “فيليكس إيبوي” في أنجمينا، عاصمة تشاد، حيث حصلت بنجاح على شهادة البكالوريا العلمية من (الفئة ج).
وقد بنى قرارها بمتابعة تخصص علمي قاعدة معرفية قوية، كانت حاسمة للتنقل في عالم الطيران المعقد. لم تتوقف طموحاتها عند الحدود المحلية؛ بل حلقت نحو آفاق عالمية، مما قادها إلى أكاديمية كراسنودار للطيران العسكري في روسيا، إحدى أعرق المؤسسات العسكرية في العالم لتدريب الطيارين.
هناك، لم تكن جمعية مجردة طالبة عادية؛ بل حفرت اسماً لامعاً لنفسها في سجلات الأكاديمية. تخرجت وحصلت على “الدبلوم الأحمر”، وهو أعلى تقدير يُمنح للطلاب المتفوقين. بعد أن اظهرت براعة نادرة في تدريبها على طائرة النقل العسكرية AN-26، لتصبح الاولى على دفعتها.
وقد لخصت انتهارها في منشوراً كتبت فيه: “تحديت العواصف، وتسلقُت الجبال، وأخيراً أنرت طريقي بهذه الشهادة الممتازة. ياوطني العزيز ، تشاد، لقد نجحتُ”.
إنجاز شخصي.. وانتصار للمرأة الإفريقية
لم يكن نجاح جمعية مجرد حكاية فردية، بل تحول إلى حدث وطني يحتفل به التشاديون على منصات التواصل الاجتماعي، حيث رأوا فيها نموذجاً يحتذى به للفتيات الطامحات إلى كسر الحواجز الجندرية.
في مجتمع تواجه فيه المرأة تحديات كبيرة في ولوج المجالات العسكرية والتقنية، جاءت جمعية لترسيخ فكرة أن “السماء ليست حداً للطموح”.
وقد تجاوز صدى إنجازها حدود تشاد، ليكون موضوع فخر للمرأة الإفريقية عموماً، خاصة في دول الساحل والصحراء، حيث لاتزال مشاركة النساء في القوات المسلحة محدودة.
يُذكر أن تشاد، على رغم من التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها، تُظهر تقدماً ملحوظاً في تعزيز دور المرأة في المجالات كافة، ويُعد تخرج جمعية دليلاً على ذلك.
تعزيز العلاقات الدولية ودور روسيا المحوري
يأتي نجاح جمعية في سياق تعزيز التعاون بين تشاد وروسيا، خاصة في المجال العسكري والأكاديمي. فقد أصبحت الأكاديميات الروسية وجهة للعديد من الطلاب الأفارقة الراغبين في التخصص في المجالات التقنية والعسكرية، مما يعكس استمرار النفوذ الروسي في القارة عبر آليات “القوة الناعمة”.
هذا الانجاز يفتح الباب أمام مزيد من الشراكات بين البلدين، ويسلط الضوء على أهمية الاستثمار في الكفاءات الوطنية عبر برامج الدولية، التي تُسهم في تطوير القدرات الدفاعية للدول الإفريقية.
ماذا بعد التخرج؟ آمال وتطلعات
مع حصولها على الدبلوم الأحمر، تستعد جمعية لخوض المرحلة المتقدمة من تدريبها العسكري في سبتمبر 2025، والتي ستؤهلها رسميا لقيادة الطائرات العسكرية.
ومن المتوقع أن تلعب دوراً محوراً في القوات الجوية التشادية، سواء في مهام النقل العسكرية أو في تدريب الأجيال القادمة من الطيارين.
لكن الأهم من ذلك، هو الدور الرمزي الذي ستلعبه كقدوة للشابات التشاديات، حيث تُشير التوقعات إلى أن مسيرتها ستشجع المزيد من الفتيات على خوض غمار مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، وكذلك الإنخراط في السلك العسكري، مما يعزز مبدأ المساواة ويفتح آفاقاً جديدة للتنمية.
عندما تصنع الإرادة أسطورة
جمعية الصافي عثمان ليست مجرد طيارة، بل هي قصة تحدٍ تلخص قوة الإصرار والعزيمة. إنها رسالة أمل لكل فتاة تشادية وافريقية بأن الأحلام الكبيرة لا تعرف مستحيلاً إذا وُجد العمل الجاد والانضباط في وقت تحارب فيه المرأة الأفريقية من أجل الحصول على فرصة متساوية، يأتي إنجاز جمعية ليثبت أن التغيير ممكن، وأن الأبواب المغلقة يمكن اقتحامها.
والسؤال الآن: هل سنرى المزيد من “جمعيات” أخريات في سماء تشاد وإفريقيا؟
” النجاح لا يعرف جنساً ولا حدوداً.. إنه ببساطة ثمرة العمل والتصميم “ـــ جمعية الصافي عثمان