مع اقتراب نهاية ولاية أحمد أبو الغيط كأمين عام لجامعة الدول العربية في سبتمبر المقبل، تشهد الكواليس الدبلوماسية العربية حراكاً محموماً، يبدو أن الجزائر تحاول استثماره في مسار بالغ الخطورة قد يهدد وحدة القرار العربي ويؤجج الانقسام بين العواصم.
ففي الوقت الذي بدأت فيه القاهرة، باعتبارها دولة المقر وصاحبة الرصيد الأثقل في العمل العربي المشترك، تحركاتها لاختيار مرشحها الجديد، والذي تشير الأنباء إلى كونه رئيس مجلس الوزراء الحالي مصطفى مدبولي.
لكن في المقابل الجزائر، التي تعيش عزلة دبلوماسية متفاقمة بعد سلسلة من الأزمات المفتعلة مع عواصم إقليمية وعربية وغربية، تسعى بكل الوسائل إلى كسر القاعدة غير المكتوبة التي جرى العرف عليها منذ تأسيس الجامعة، وهي أن يكون الأمين العام مصريًا.
وتؤكد مصادرنا الخاصة لأنباء إكسبريس، بأن الجزائر لا تكتفي بتحركات دبلوماسية تقليدية، بل لجأت إلى أساليب استفزاز وابتزاز إعلامي منظم، حيث تم رصد موجة منشورات ممنهجة على منصات التواصل الاجتماعي صادرة عن حسابات ونشطاء محسوبين على النظام الجزائري، تستهدف التشكيك في “حق مصر التاريخي والمعنوي” في قيادة الأمانة العامة.
ويرى مراقبون أن الجزائر تحاول تهييج الرأي العام العربي ضد القاهرة، عبر إيهام المتابعين بأن المسألة “احتكار مصري” للمنصب، متجاهلة أن التوافق بين الدول الأعضاء هو من أفرز هذا العرف، وأن الكفاءة والخبرة الدبلوماسية المصرية هي التي حمت الجامعة من الوقوع في فلك المحاور.
ولا تقف المساعي الجزائرية عند حدود تقديم مرشح محتمل، بل تتقاطع، وفق مصادر أنباء إكسبريس، مع محاولات لإقناع بعض الدول الخليجية، وفي مقدمتها السعودية، بضرورة تدويل المنصب، في محاولة مكشوفة لضرب مركزية العمل العربي وخلق سابقة قد تفتح أبواب صراع دائم على هوية الأمين العام مستقبلاً.
غير أن مصادر مصرية رفيعة المستوى أكدت لـ”أنباء إكسبريس” أن القاهرة لن تقبل بأي ضغوط أو مناورات تستهدف النيل من دورها المحوري في الجامعة، مشددة على أن التوافق العربي سيظل هو الحكم الفصل، وأن احترام التاريخ المؤسسي للجامعة يمثل خطًا أحمر لن يُسمح بتجاوزه.
في المقابل، يرى مراقبون أن سلوك الجزائر يعكس أزمة سياسية عميقة داخل نظامها، الذي يحاول تعويض فشله الإقليمي والدولي بإثارة قضايا جانبية واختلاق معارك إعلامية، في وقت تحتاج فيه المنطقة إلى تكثيف الجهود لمواجهة التحديات المشتركة بدلاً من تصدير الأزمات.
ويبقى السؤال المطروح بقوة: هل تنجح الجزائر في تمرير أجندتها على حساب وحدة القرار العربي؟.. أم أن العواصم العربية ستفطن إلى خطورة هذا المسار وستحافظ على توازن الجامعة كإطار جامع يعكس إرادة الشعوب لا مطامح الأنظمة؟
ختاما، رغم التحديات التي تواجهها جامعة الدول العربية منذ تأسيسها عام 1945، فإنها تبقى الإطار الأهم الذي يجمع إرادة الدول والشعوب العربية تحت مظلة العمل المشترك.
الحفاظ على وحدة الجامعة واستقلال قرارها يظل مسؤولية جماعية تتطلب الحكمة والالتزام بروح التعاون، بعيداً عن محاولات التسييس أو فرض الأجندات القُطرية التي تهدد بإضعاف هذا الصرح العربي العريق.
لهذا أنباء إكسبريس ستواكب هذا الملف عن كثب، في إطار التزامها الدائم بتقديم تغطية مهنية ومسؤولة لقضايا الشأن العربي.