في خطوة مفاجئة وذات دلالات استراتيجية عميقة، أعلن حزب “رمح الأمة” الجنوب أفريقي، أبرز أحزاب المعارضة في البلاد والذي يتزعمه الرئيس السابق جاكوب زوما، دعمه الصريح لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، معتبرًا أن مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية تشكل الإطار الواقعي والعملي لإنهاء النزاع الإقليمي حول الصحراء.
ويأتي هذا الإعلان ليشكل تحولًا لافتًا في مواقف أبرز الفاعلين السياسيين بجنوب أفريقيا، البلد الذي عرف تاريخيًا بدعمه اللامشروط لجبهة البوليساريو، وباتباعه سياسة خارجية غير متوازنة في تعاطيه مع قضية الصحراء المغربية.
ضغط داخلي يعيد ترتيب الأولويات
قرار “رمح الأمة” لم يأتِ من فراغ، بل يندرج ضمن سياق سياسي داخلي متغير، إذ أفرزت الانتخابات التشريعية الأخيرة خريطة سياسية جديدة في جنوب أفريقيا، فقد فيها حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم هيمنته التقليدية، فيما صعد حزب “رمح الأمة” ليصبح القوة المعارضة الأولى في البرلمان.
هذا التغيير عزز من صوت المعارضة التي باتت تدعو إلى مراجعة السياسة الخارجية لبلادها، خاصة تجاه الرباط، بعد عقود من العداء غير المبرر الذي كلف جنوب أفريقيا الكثير دبلوماسيًا واقتصاديًا في القارة الأفريقية.
ويرى محللون أن الفساد المتفشي والأزمات الاجتماعية المتراكمة دفعت بعض التيارات السياسية إلى توجيه العداء نحو الخارج لتشتيت الانتباه عن الأزمات الداخلية، وهو ما لم يعد يجدي نفعًا في ظل تنامي الأصوات الداعية إلى الواقعية والبراغماتية.
انتصار دبلوماسي مغربي جديد
يشكل موقف “رمح الأمة” صفعة قوية لجبهة ميلشيا البوليساريو التي فقدت في السنوات الأخيرة دعم عدد متزايد من الدول، خصوصًا في أفريقيا، نتيجة لثبات الموقف المغربي ونجاح دبلوماسيته المتعددة الأبعاد. كما أن هذا الموقف يعكس تآكل الدعم التقليدي للجبهة في عقر دار أبرز حلفائها، أي جنوب أفريقيا.
الوثيقة التي أصدرها الحزب، تحت عنوان “شراكة استراتيجية من أجل الوحدة الإفريقية والتحرر الاقتصادي والسلامة الترابية”، تؤكد بشكل واضح أن الحزب يتبنى وجهة النظر المغربية القائمة على الشرعية التاريخية والروابط القبلية التي تجمع الأقاليم الجنوبية بالعرش المغربي المتجذر منذ قرون، وهو ما يمثل قطيعة مع الرواية الانفصالية التي لطالما روجت لها بريتوريا.
خارطة طريق جديدة للعلاقات الثنائية و تحولات قد تمتد خارج حدود بريتوريا
لم يكتف الحزب بإعلان موقفه، بل اقترح خارطة طريق طموحة لإعادة بناء العلاقات بين المغرب وجنوب أفريقيا، تقوم على الحوار الثنائي في المحافل الدولية، وتطوير الشراكات الاقتصادية في مجالات البنية التحتية، الطاقة، الزراعة، السياحة، والصناعات الرقمية، إضافة إلى الدعوة لإبرام اتفاقية تجارة حرة بين البلدين.
هذا التوجه البراغماتي يعكس إدراكا متزايدًا داخل النخب السياسية الجنوب أفريقية لأهمية المغرب كقوة إقليمية صاعدة، استطاعت أن ترسّخ مكانتها السياسية والعسكرية والاقتصادية على الصعيد القاري والدولي.
ويرى مراقبون أن موقف “رمح الأمة” قد لا يبقى معزولًا، بل من المحتمل أن ينسحب على باقي القوى السياسية في جنوب أفريقيا، وربما يشكل بداية لمراجعة شاملة لمواقف دول أفريقية أخرى لا تزال تراهن على أطروحات الانفصال.
في النهاية، يبدو أن عقلانية الميدان وانتصارات المغرب الدبلوماسية المتتالية تفرض واقعا جديدا يصعب إنكاره، وتفتح الباب أمام تحولات سياسية عميقة قد تعيد رسم خريطة المواقف في القارة بأكملها.