تشهد الجزائر هذه الأيام مفارقة سياسية حادة؛ فمن جهة، تتصاعد وتيرة الخطاب الرسمي حول “التعبئة الاجتماعية” و”التلاحم الوطني” لمواجهة ما تُوصف بـ”المؤامرات الخارجية”.
ومن جهة أخرى، تعود الاحتجاجات الشعبية للواجهة بقوة، من خلال حملة “مانيش راضي“، التي باتت تعكس عمق الغضب الشعبي إزاء التدهور المعيشي، وقمع الحريات، وتضييق الخناق على الفضاء العام.
تعبئة رسمية.. ولكن لحماية من؟
في تصريحات لافتة، دعا عبد القادر بن قرينة، رئيس حركة البناء الوطني، إلى تعزيز الجبهة الداخلية كـ”درع وطني” ضد محاولات زعزعة الاستقرار، مشددًا على أن مؤسسات الدولة والمجتمع المدني مدعوّون للتلاحم “حول القيادة الوطنية”.
كما سارعت أحزاب موالية للسلطة إلى تبني خطاب مماثل، داعية إلى “الالتفاف حول الرئيس تبون” و”تثبيت مكاسب السيادة الوطنية”.
غير أن هذا الخطاب الرسمي، بحسب متابعين، يأتي على وقع موجة غير مسبوقة من الاعتقالات في صفوف نشطاء حقوق الإنسان والصحفيين.
مما يطرح تساؤلات جوهرية حول طبيعة هذه “التعبئة”، وهل يقصد بها فعلاً حماية الوطن، أم تحصين السلطة القائمة ضد موجات الغضب الشعبي المتصاعدة؟
“مانيش راضي”: صرخة الشعب في وجه الاستبداد
في الشارع، تعود حملة “مانيش راضي” إلى الواجهة، لتكون لسان حال فئات واسعة من الجزائريين الذين ضاقوا ذرعًا بالتدهور المستمر في القدرة الشرائية، وغياب أي أفق سياسي جاد للإصلاح، وسط إحكام المؤسسة العسكرية قبضتها على مفاصل الدولة، بما في ذلك الإعلام، والقضاء، والمجتمع المدني.
وقد وثّقت منظمات حقوقية جزائرية ودولية مؤخرًا تصاعد الاعتقالات التعسفية بحق نشطاء شباب وأصوات معارضة، وسط انتقادات لاذعة لطريقة تعامل السلطات مع الأصوات الحرة، في وقت يعيش فيه المواطن الجزائري وضعًا اقتصاديًا هشًا، عنوانه البطالة، وتراجع الخدمات، وتضخم الأسعار.
“الاستقرار لا يُبنى بالقمع”
وفي تعليقه على هذا المشهد المتوتر، قال أحد الحقوقيين الجزائريين في تصريح خاص لـأنباء إكسبريس، مفضلًا عدم ذكر اسمه لدواعٍ أمنية:
“النظام يراهن على خطاب السيادة والوحدة، لكنه يتجاهل أن الاستقرار لا يُبنى بالقمع، بل بالإصغاء الحقيقي لمطالب الشعب، وإشراكه في صنع القرار، لا بإقصائه واعتقال رموزه”.
أفريقيا.. ساحة للتسويق الخارجي؟
وعلى صعيد السياسة الخارجية، تواصل الجزائر الترويج لما تسميه بـ”المقاربة التنموية في أفريقيا”، في إطار استراتيجيتها لتعزيز الحضور الدبلوماسي بالقارة.
لكن، في ظل احتقان داخلي متزايد، يرى مراقبون أن السلطة تحاول تصدير صورة إيجابية خارجية، مقابل واقع داخلي تغلب عليه التوترات والاختلالات الاجتماعية.
خلاصة القول، ما بين “التعبئة” التي تنادي بها السلطة، و”عدم الرضا” الذي تصرخ به الشوارع، تقف الجزائر على مفترق طرق خطير.
فإما انفتاح سياسي حقيقي يعيد الثقة بين الشعب والدولة، أو انزلاق أعمق نحو المجهول، في بلد لا تزال ذاكرته مثقلة بأثمان العشرية السوداء.
لهذا قسم الشؤون المغاربية لأنباء إكسبريس يتابع عن كثب تطورات الوضع الجزائري لحظة بلحظة.
يتبع..