الشرق الأوسطسياسة
أخر الأخبار

اغتيال المرشد الإيراني.. ضرورة إسرائيلية أم رغبة أمريكية مؤجلة “تحليل”

موسم التجميد البيولوجي ضد قادة عسكريين و علماء ذرة إيرانيين افتتحهُ الإسرائيليون في يوم الـ 13 من يونيو و الذي ما زال مستمراً، فيه أيضاً خميرة تاريخيَّة، نفشت تلك الاغتيالات كـ "خوارق موساد".

دوايت إيزنهاور الرئيس الأمريكي الرابع و الثلاثين للولايات المتحدة اعتبر نجاح الإطاحة برئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق عام 1953 بأنَّها “أكثر شبهاً برواية العشرة سنتات منها حقيقةً تاريخيّة”.

أمّا ونستون تشرشل البريطاني فقد عبَّر عن فرحته بمحاولة اغتيال الرئيس المصري جمال عبد الناصر من قبل الإخوان المسلمين عام 1954 في رسالةٍ كتبها بشكلٍ ساخر “يهنئه فيها على هروبه”.

دونالد ترامب الرئيس الأمريكي السابع و الأربعين – كذلك هو الرئيس الـ 45 – حذَّر علي خامنئي المرشد الأعلى الإيراني من إمكانية اغتياله في الـ 15 من يونيو بالإعلان عن رفضة لخطةٍ إسرائيلية سعت لتصفيته، ليتحوَّل التنبيه إلى تحذيرٍ في الـ 17 من يونيو “نحن نعلم المكان الآمن الذي تختبئ فيه”.

مما دفع الأخير و في يوم الـ 21 من يونيو 2025 إلى تعيين ثلاثة من رجال الدين لخلافته، ليُبطل تفجير نظام ولي الفقيه في إيران إذا ما تمَّ اغتيالُه. جاء التعيين قبل ساعات من توجيه ضربة أمريكية ضد المواقع النووية الإيرانية فجر يوم الـ 22 من يونيو.

“التجميد البيولوجي”

ديفيد إغناتيوس الصحفي الأمريكي الشهير رأى إنَّ “التفكير في اغتيال قائد دولة أجنبية ما كان ممكناً قبل عشرين عاماً”. لا أدري لماذا استبعد ذلك و هو الذي يمتلكُ ماضيَّاً في دائرة المخابرات المركزية الأمريكية؟ فالرئيس ترامب في 2025 و هو يُفكِّر باغتيال المرشد الإيراني، يسير على خُطى الـ CIA عام 1959، عندما سكَّت مصطلح “التجميد البيولوجي” لفكرة اغتيال احمد سوكارنو الرئيس الإندونيسي الأسبق. كانت تبحث فقط عن عميل “يستطيع الاقتراب بما فيه الكفاية لإنجاز ذلك”.

الولايات المتحدة الأمريكية تمارسُ عبر الرئيس ترامب، حرباً سيكولوجية ضد العالم لإقناعهِ بأن لا أحد غيرها يمتلكُ الجرأة و الموارد لقيادته. مثلاً و بما يناسب سياق المقال، استخدم الرئيس الأمريكي الذكاء الاصطناعي في الـ 4 من مايو الماضي ليُظهر نفسه كـ بابا الفاتيكان. في الثامن من مايو 2025 انتخب الكرادلة في كنيسة السيستين بابا أمريكي الجنسية خلفاً لسلفه الراحل البابا فرانسيس.

إيرانياً، تحاول واشنطن عبر رضا بهلوي النجل الأكبر لشاه إيران المخلوع محمد رضا بهلوي، إقناع ولي الفقيه و الشعب الإيراني باقتراب لحظة ” طيران رضا بهلوي منفيَّاً من واشنطن ليهبط حاكماً كما طار الخميني كرجل دينٍ من باريس ليُحمل وليَّاً للفقيه على الأكتاف في طهران”.

موسم التجميد البيولوجي ضد قادة عسكريين و علماء ذرة إيرانيين افتتحهُ الإسرائيليون في يوم الـ 13 من يونيو و الذي ما زال مستمراً، فيه أيضاً خميرة تاريخيَّة، نفشت تلك الاغتيالات كـ “خوارق موساد”.

طريقة استهداف الشخصيات الرئيسية في لائحة اغتيالات المخابرات البريطانية و الأمريكية في سوريا أربعينيات القرن الماضي، أكَّدت و بحسب روري كورماك على قاعدة عدم التسبب برفع “درجة الحذر الأمنية و الحماية الشخصية عند المسؤولين ليكونوا مكشوفين و عُرضة للاغتيال في أي وقت. ذلك يتم بدون أن تُعطي المخابرات في هذين البلدين أي أمر مباشر بالاغتيال”.

هكذا نستطيع أن نفهم النجاح الإسرائيلي “أصول بشرية في إيران عمرها عقود دمجت نفسها في تفاصيل الحياة اليومية لرجال النظام و بالتالي تستطيع اختيار توقيت يبدو خارقاً للمألوف”.

اغتيال المرشد ضرورة أم لا

إيران كانت وما زالت من أحد أسباب “الغفلة الاستراتيجية” الأمريكية.  كيرت كامبل مساعد وزير خارجية أسبق لشؤون شرق آسيا و المحيط الهادئ، سكَّ هذا الوصف ليختصر الأثر الذي تسبِّبهُ إيران و غيرها في تأخير تركيز واشنطن على الصين “الشلل الذي أصاب أذرع واشنطن، من المُطالبات المستمرة لها بالحِفاظ على التوازنات داخل الشرق الأوسط، حتّى لو وصل الأمر إلى سلسلةٍ مِنْ الحروب اللامتناهية”.

إسرائيل بدورها و بسبب علاقاتها مع واشنطن و لوبي إيباك، رفعت وزن طهران في ميزان “الغفلة الاستراتيجية” الأمريكية بعد العراق. ما علينا إلَّا أن نتذكر تقرير “الاختراق النظيف” الشهير لكل من ريتشارد بيرل و ديفيد ورمسر عام 1996 الذي أوصى بنيامين نتنياهو عند استلامه السُّلطة باتخاذ “إسرائيل الخطوات اللازمة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بأكمله”.

ستيفن والت و جون ميرشايمر في كتابٍ لهما عام 2006 ذكرا في كتابٍ لهما، ما تخطط إسرائيل لفعله بواسطة الولايات المتحدة “الحرب التالية ستكون ضد إيران، و هي ليست كما نأمل حرباً عسكرية”.

اغتيال المرشد الإيراني بالتعاون بين تل ابيب و واشنطن، ينتظر ردَّة فعلٍ من طهران باستهداف القواعد العسكرية الأمريكية. أمّا ضربة الأخيرة الناجحة ضد منشآت إيران النووية فهي ليست كافية، لتبرير انحراف الرئيس ترامب عن سياسة “أمريكا أولاً”. ولا لتعديل الصورة الإسرائيلية في الداخل الأمريكي – أطلب من القارئ الاطلاع على مقالي السابق الذي حمل عنوان مهلة الأسبوعين الترامبية: تحضير لضربة سيبرانية ضد الرأي العام الأمريكي – كذلك فإن ترامب و نتنياهو لن يبدِّدا حالياً أرباح سياسة  ترويج الخوف بين شعبيهما الذي يجعل من الصعب بحسب ميرشايمر “بناء جدار ناري بين السياسة المحلّية و الخارجية”.

هما يريدان الحفاظ على هذه الميوعة، على الأقل لحين لمعرفة الآثار الواقعية لإعلان المرشد الإيراني تعيين خلفاء له، و رؤية فيما إن كان ذلك سيؤدي إلى تماسك أداء النظام، أو كونه صرخة يأس.

https://anbaaexpress.ma/po0mv

مسار عبد المحسن راضي

كاتب صحافي وباحث عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى